السيد الرئيس،
السيدات والسادة أعضاء البرلمان الأوروبي المحترمين،
أتحدث إليكم اليوم بصفتي مدافعًا عن حقوق الإنسان من مصر، أمتلك سنوات من الخبرة في توثيق واقع المهاجرين واللاجئين والمعتقلين السياسيين في بلادي وفي المنطقة. لا أتحدث إليكم فقط بصفتي المهنية، بل بصفتي شاهدًا على العواقب الإنسانية المباشرة لسياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بتصدير إدارة الهجرة إلى دول الجوار — هذه السياسات التي تمنح الأنظمة الاستبدادية المزيد من القوة، وتعمّق المعاناة على الحدود وما بعدها.
نحن مجتمعون اليوم لمناقشة الشراكات الجديدة بين الاتحاد الأوروبي ودول مثل مصر والأردن وتونس وموريتانيا. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا: هذه ليست “شراكات هجرة”، بل هي اتفاقات قمع.
دعوني أتحدث عن مصر — بلدي:
تحكم مصر اليوم واحدة من أكثر الحكومات قمعًا في تاريخها الحديث. حكومة عبد الفتاح السيسي ملأت سجونها بعشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، حيث يُسجن الناس لمجرد تعبيرهم السلمي عن آرائهم. تم سحق المجتمع المدني، إسكات الإعلام المستقل، وتسييس القضاء وتحويله إلى أداة للقمع.
التعذيب منهجي، والاختفاء القسري والاحتجاز التعسفي منتشران على نطاق واسع. ومع ذلك، يواصل الاتحاد الأوروبي اعتبار هذا النظام “شريكًا استراتيجيًا”، ويضخ مليارات اليوروهات في خزائنه باسم “ضبط الهجرة”.
دعوني أذكّركم ببعض الأصوات التي أُسكتت:
•علاء عبد الفتاح، الكاتب والناشط، أمضى أكثر من عقد في السجن بسبب نشاطه السلمي، وتعرض للتعذيب والحرمان من حقوقه الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية.
•إبراهيم متولي، المحامي والمؤسس المشارك لرابطة أسر المختفين قسريًا، معتقل منذ نحو سبع سنوات، وتعرض للتعذيب وظروف احتجاز لا إنسانية، بينما لا يزال ابنه مختفيًا قسرًا.
•هدى عبد المنعم، المحامية الحقوقية البارزة، حُكم عليها بالسجن خمس سنوات بسبب عملها، وتعاني من تدهور صحي حاد في السجن بينما تُنتهك حقوقها بشكل ممنهج.
هذا هو النظام الذي يكافئه الاتحاد الأوروبي — ليس فقط بالأموال، بل أيضًا بالشرعية، وصفقات السلاح، والدعم الدبلوماسي.
هذه ليست مجرد ازدواجية معايير. إنها تواطؤ.
لقد شهدت المناطق الحدودية في مصر، والمناطق القريبة منها، عسكرة متزايدة في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى تهجير قسري ومخاطر قاتلة طالت السكان المحليين، كما في مطروح وشمال سيناء.
أما المهاجرون على الحدود، سواء كانوا مصريين أو غير مصريين، فيتعرضون للاعتقال والتعذيب والعنف، وفي كثير من الأحيان، للقتل. بين عامي 2016 و2021، أفادت السلطات المصرية بأنها احتجزت 100,000 شخص على الحدود.
بالنسبة للمهاجرين واللاجئين، وخصوصًا القادمين من السودان وإريتريا واليمن وفلسطين وسوريا، ليست مصر ملاذًا آمنًا. إنها فخ.
تجني السلطات المصرية آلاف اليوروهات من كل لاجئ يحاول دخول مصر هربًا من الحرب في السودان أو من الإبادة في غزة، وكذلك من السوريين، من خلال شركات خاصة ترتبط بأجهزة الأمن.
اللاجئون لا يُقابلون بالأمان، بل بالخطر. يُستهدفون بالاعتقال، والاحتجاز، والترحيل — غالبًا إلى مناطق نزاع — في انتهاك صريح للقانون الدولي.
شهدت الأشهر الأخيرة حملات مداهمة واعتقال جماعية في القاهرة وأسوان ومدن أخرى. حتى حاملي بطاقات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لم يسلموا: تُصادر وثائقهم، ويُجبرون على توقيع استمارات “العودة الطوعية” تحت الإكراه. يتم فصل الأطفال عن عائلاتهم، ويُستهدف اللاجئون من مجتمع الميم+ بالانتهاكات والترحيل السريع.
في عام 2024 وحده، وثقنا أكثر من 20 ألف حالة ترحيل إلى السودان، الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم.
وبفعل قرارات الحكومة المصرية الأخيرة، يُمنع اللاجئون وطالبو اللجوء من الحصول على الخدمات العامة الأساسية، مثل الصحة والتعليم والعدالة. أقل من 12٪ فقط من أطفال اللاجئين يحصلون على التعليم في مصر.
أما قانون اللجوء المصري الجديد، الذي تم تمريره دون أي تشاور، فيمنح السلطات صلاحيات مطلقة لرفض الحماية وترحيل اللاجئين تعسفيًا، مُلغياً بذلك عشرات السنين من الضمانات الأساسية.
إن هذه الشراكة مع النظام المصري لن تُعالج مشاكل الهجرة، بل ستزيدها سوءًا. ستقوي آلة القمع وتمنحها أدوات جديدة لابتزاز المال والشرعية السياسية.
أدعوكم اليوم إلى اتخاذ موقف مختلف.
•أوقفوا جميع أشكال التمويل المرتبطة بالهجرة للأنظمة المتورطة في انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مصر.
•اشترطوا أي تعاون برقابة حقوقية مستقلة وفعالة — لا مجرد وعود على الورق.
•أعيدوا توجيه الأموال نحو المجتمع المدني، والمساعدة القانونية، وآليات الحماية المجتمعية.
•وسعوا المسارات الآمنة والقانونية للهجرة، بما يشمل التأشيرات الإنسانية ولمّ شمل الأسر.
إذا كان الاتحاد الأوروبي جادًا فعلاً في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، فعليه أن يتخلى عن سياسة المعايير المزدوجة.
عليه أن يتوقف عن تمويل الأنظمة القمعية، وغض الطرف عن الفساد المالي والإداري، وسوء إدارة موارد الدولة والمساعدات.
لقد ثبت أن هذه الأنظمة تستخدم الأموال لتعزيز قبضتها السياسية، وليس لحل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
هذه السياسات لا تحل المشكلة، بل تغذيها.
الناس لا يفرّون بحثًا عن مغامرة، بل عندما تُغلق أبواب الحياة في وجوههم.
لو وُجدت حرية وعدالة وفرص، لما اضطر أحد للهروب أو ركوب البحر.
تمويل القمع ليس حلًا للهجرة، بل أحد أسبابها الرئيسية.
هذه الاتفاقية ليست أمرًا حتميًا. لا يزال بالإمكان وقفها. صوتكم مهم.
على البرلمان أن يقف إلى جانب الشعوب، لا الأنظمة التي تقمعها.
دعونا لا ننظر إلى الوراء بعد سنوات ونقول: كنا نعلم، ومع ذلك اخترنا أن نساعدهم.
شكرًا لكم. ويسعدني دعم أي نقاش إضافي أو تقديم الأدلة والوثائق اللازمة
Edition
Scan this QR code to read on your mobile device
Skip to content