Search
Close this search box.
صورة مركبة تظهر صورة بالأقمار الصناعية لمعسكر للجيش حيث يتم احتجاز اللاجئين/ات، وسيارة تهريب (تم الحصول عليها من وسائل التواصل الاجتماعي ولكن مع إزالة المصدر لأسباب أمنية) يستخدمها اللاجئون/ات الذين يعبرون الصحراء.
صورة مركبة تظهر صورة بالأقمار الصناعية لمعسكر للجيش حيث يتم احتجاز اللاجئين/ات، وسيارة تهريب (تم الحصول عليها من وسائل التواصل الاجتماعي ولكن مع إزالة المصدر لأسباب أمنية) يستخدمها اللاجئون/ات الذين يعبرون الصحراء.

تحقيق: داخل منظومة مصر السرية لاحتجاز وترحيل آلاف اللاجئين/ات السودانيين

Picture of سارة كريتا

سارة كريتا

صحفية حرة متخصصة في النزاعات وحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية

Picture of نور خليل

نور خليل

باحث متخصص في قضايا الهجرة وسياسات الحدود والمدير التنفيذي لمنصة اللاجئين في مصر.

تم إعداد هذا التحقيق ونشره بالتعاون بين منصة اللاجئين في مصر (RPE) و”ذا نيو هيومنيتاريان”

حول هذا التحقيق: في الصيف الماضي، تواصلت منصة اللاجئين في مصر، وهي منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوق الإنسان، بـ”ذا نيو هيومنيتاريان” لمشاركة الأدلة على أن الجيش المصري كان يقوم بترحيل اللاجئين السودانيين على نطاق واسع، قام الصحفيون بتوثيق الادعاءات من خلال مقابلات مع العديد من اللاجئين والمحامين والمجموعات الحقوقية، والحصول على وثائق من داخل الوكالات الحكومية السرية، وكذلك من خلال تقنيات التحقيق المفتوحة المصدر.

أسوان، مصر

لقطات مأخوذة من مقطع فيديو مسجل داخل قاعدة أبو سمبل العسكرية نشره أحد المعتقلين على الإنترنت. وتقع هذه القاعدة بالقرب من الحدود مع السودان، وتديرها قوات حرس الحدود، وتستخدمها لاحتجاز المهاجرين/ات الذين يتم نقلهم من قواعد أخرى قبل ترحيلهم قسرا. تمت إزالة المصدر لأسباب أمنية.
لقطات مأخوذة من مقطع فيديو مسجل داخل قاعدة أبو سمبل العسكرية نشره أحد المعتقلين على الإنترنت. وتقع هذه القاعدة بالقرب من الحدود مع السودان، وتديرها قوات حرس الحدود، وتستخدمها لاحتجاز المهاجرين/ات الذين يتم نقلهم من قواعد أخرى قبل ترحيلهم قسرا. تمت إزالة المصدر لأسباب أمنية.

احتجزت السلطات المصرية، في شبكة من القواعد العسكرية السرية، آلاف اللاجئين/ات السودانيين الذين فروا إلى الجارة مصر، ثم تم ترحيلهم إلى بلادهم التي مزقتها الحرب في كثير من الأحيان دون أن تتاح لهم فرصة طلب اللجوء، وهو ما اكتشفته تحقيقات “ذا نيو هيومنيتاريان” و”منصة اللاجئين في مصر”.  

عمليات صد المهاجرين التي كشف عنها الصحفيون تنتهك اتفاقيات اللاجئين التي صدَّقت عليها مصر، وتتم في الوقت الذي تعهد فيه الاتحاد الأوروبي بمليارات الدولارات للقاهرة مقابل أن تقوم الحكومة بتقييد الهجرة إلى أوروبا، صفقة يقول النقاد عنها إنها قد تجعل الدول الأوروبية شريكة في الانتهاكات التي تجري.

يتم تنفيذ عمليات الصد أيضًا في ظل تفاقم الحرب المستمرة منذ عام بين الجيش السوداني وحليفه السابق، قوات الدعم السريع شبه العسكرية، وهو القتال الذي توسع في أجزاء جديدة من البلاد، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص، وأثار التحذيرات من مجاعة تلوح في الأفق.

"توسلت إلى الجنود، موضحًا أن والدتي مريضة بشدة وتحتاج إلى رعاية طبية عاجلة، لكنهم رفضوا مساعدتنا"، هذا ما قاله الشاب حسن، البالغ من العمر 25 عامًا، والذي تم ترحيله من مصر في فبراير/ شباط الماضي بعد أن احتُجز في معسكر عسكري مزري مع والدته البالغة من العمر ٦٨ عامًا، التي تعاني من مشكلة في القلب، وابن عمه، الذي يعاني من السرطان.

قال حسن، الذي طلب تغيير اسمه، مثل جميع اللاجئين السودانيين المذكورين في هذه القصة، إنه هرب من العاصمة الخرطوم في وقت سابق من العام بعد الاستيلاء على منزله وقتل شقيقه على يد مقاتلي قوات الدعم السريع، وبعد ترحيله، قال إنه “غير متأكد مما إذا كان لا يزال هناك منزل ينتظره”. 

تسبب الصراع في السودان في واحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، حيث نزح ما يقرب من تسعة ملايين شخص خلال العام الماضي، وقد فر مليونا شخص إلى الدول المجاورة، بما في ذلك أكثر من نصف مليون عبروا إلى مصر.

اتخذت السلطات المصرية تدابير مختلفة لمنع السودانيين من الدخول بشكل قانوني، على الرغم من وجود اتفاق يضمن حرية التنقل بين البلدين. يُجبر معظم اللاجئين الآن على استخدام المهربين للدخول، حتى مع تعرضهم لخطر الاحتجاز بسبب الدخول غير القانوني أو الإصابة في الممرات الجبلية الخطرة.

قامت كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومشروع الاحتجاز العالمي بتوثيق عمليات الترحيل، إلا أن مراسلي “ذا نيو هيومنيتاريان” و”منصة اللاجئين في مصر” هم أول من حقق بشكل شامل في كيفية عمل منظومة الترحيل، والمرافق المستخدمة للاحتجاز، وكيفية إساءة معاملة اللاجئين/ات.

اضغطوا على علامة + لقراءة المزيد حول

  • تقوم السلطات المصرية بعمليات ترحيل جماعي للاجئين/ات السودانيين الفارين من منطقة حرب وإحدى أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية في العالم.
  • ومن بين المرحلين أطفال ومسنون ولاجئون/ات تعرضوا لإصابات خطيرة خلال رحلاتهم إلى مصر.
    وقال بعض اللاجئين/ات أنهم تعرضوا لإطلاق النار عليهم من قبل حرس الحدود المصريين وأن مهربيهم تعرضوا للتعذيب.
  • ويجري ترحيل اللاجئين المحتجزين في المناطق التي يسيطر عليها الجيش بسرعة من قبل قوات حرس الحدود دون أي إجراءات قانونية. ويتم اعتقال لاجئين آخرين واتهامهم بجرائم زائفة، بما في ذلك التهريب.
  • ويجري احتجاز اللاجئين/ات في شبكة من القواعد العسكرية السرية التي قال محامون إنها لا تملك أي صلاحية قانونية لاحتجاز الأشخاص.
  • وقال اللاجئون/ات إنهم يواجهون ظروفًا إنسانية قاسية داخل القواعد العسكرية، ولا يستطيعون الوصول إلى محامين أو عاملين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

على مدى ستة أشهر، تحدث الصحفيون إلى خمسة عشر لاجئًا مُرحَّلًا وقابلوا محامين مصريين ومسؤولين حكوميين ومنظمات حقوقية محلية، كما حصل المراسلون على سجلات داخلية للشرطة والجيش والنيابة العامة، واستخدموا الصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية لتأكيد وجود ست قواعد عسكرية معظمها غير معروف، وتُستخدم كمراكز احتجاز دون موافقات قانونية.

تكشف المقابلات والوثائق عن جهد منهجي على مستوى الدولة لحرمان اللاجئين السودانيين من الحق في طلب اللجوء، تشمل الحملة مكونات متعددة من الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية بالإضافة إلى وكالات أخرى تابعة للحكومة التي لم تستجب لطلبات التعليق حتى وقت النشر.

وقال بعض اللاجئين/ات للصحفيين إن قوات حرس الحدود المصرية أطلقت النار عليهم في المناطق الصحراوية، ثم اعتقلتهم ورحَّلتهم دون أي إجراءات قانونية، وقال آخرون إنهم اعتقلوا في بلدات ومدن مختلفة واتهمتهم السلطات الأمنية بجرائم زائفة، بما في ذلك التهريب أو الانضمام إلى جماعة تهريب إجرامية أو “إلحاق ضرر جسيم” بمصر.

وقال لاجئون ومحامون إن الأطفال والمسنين والأفراد الذين أصيبوا بجروح خطيرة في أثناء رحلاتهم إلى البلاد كانوا من بين المرحلين، وكذلك السودانيون الذين سجلوا لدى المفوضية، في إحدى الحالات، أكَّد أحد المحامين ترحيل شخص على الرغم من حصوله على وضع اللاجئ.

تشمل القواعد العسكرية التي حددها المراسلون أماكن مات أو اختفى فيها في الماضي المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون المصريون من قبل الأجهزة الأمنية، وصفها اللاجئون بمرافق تنتشر فيها القوارض ومياه الصرف الصحي الفائضة، قال أحد اللاجئين إنه احتُجز لمدة 70 يومًا في قاعدة وسُمح له بالخروج مرة واحدة فقط.

“الحالة النفسية لجميع السجناء تأثرت بشدة”، وفقا لمحمود البالغ من العمر 31 عامًا، الذي احتُجز من حافلة متجهة إلى القاهرة في وقت سابق من هذا العام بعد فراره من القتال في الخرطوم، “بالنسبة للبعض، فإن احتمالية الترحيل إلى بلد في حالة حرب هي أفضل من البقاء في مثل هذه الظروف الأليمة”.

شاهدوا الفيديو التالي لرؤية ومعرفة مواقع القواعد العسكرية التي تحقق منها المراسلون:

مغامرات خطيرة وترحيل جماعي

ترتبط مصر بعلاقات تاريخية عميقة مع السودان، ولطالما كانت موطنًا لملايين المهاجرين السودانيين، وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية تتخذ صف الجيش في الصراع الحالي، إلا أن اللاجئين واجهوا عداءً متزايدًا من قبل السياسيين المصريين وأفراد الجمهور، في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة في البلاد.

وتم تشديد القيود على دخول السودانيين خلال العام الماضي، ففي البداية، تم منع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عامًا من الدخول ما لم يكن لديهم تأشيرة صادرة عن القنصليات المصرية في السودان، ثم تم تمديد هذه السياسة لتشمل جميع المواطنين السودانيين، الذين توجه معظمهم إلى المهربين بسبب طول فترات معالجة طلبات التأشيرة.

تكدس النازحين والنازحات السودانيين عند معبر أرقين البري أواخر العام الماضي نتيجة تشديد إجراءات الدخول من قبل الحكومة المصرية، يونيو 2023 (الجزيرة)
صورة لطريق تهريب التقطها أحد اللاجئين الذي طلب عدم الكشف عن هويته.

يأخذ المهربون اللاجئين عبر الصحراء في رحلة طويلة ووعرة تمر بالجبال والصخور ونقاط التفتيش العسكرية، ويتم تكديس اللاجئين من قبل المهربين على ظهر سيارات النصف نقل، حيث يضطرون للتشبث بالحبال لتجنب السقوط، واستخدام الأقنعة الطبية لمنع دخول الغبار المخنق.

اضغطوا على علامة + لقراءة المزيد حول

  • بالنسبة للاجئين/ات الذين لا يرغبون في المخاطرة بطرق التهريب أو الانتظار لعدة أشهر للحصول على تأشيرة وتصريح أمني، توفر شبكة من وكلاء السفر والوسطاء في مصر والسودان خدمات التأشيرة السريعة مقابل رسوم باهظة.

  • تحدث الصحفيون إلى ثمانية سودانيين تعاملوا مع هؤلاء السماسرة. وقد نجح اثنان منهم في مغادرة السودان بعد دفع مبلغ 4,500 دولار، بينما قال ثلاثة منهم إنهم تعرضوا للاحتيال من قبل هؤلاء السماسرة. وقال آخرون إنهم ما زالوا في السودان يسعون للحصول على قروض من الأصدقاء والعائلة لتحمل الرسوم.

  • ويعلن بعض السماسرة علنًا عن خدماتهم في الوكالات على الإنترنت وفي مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي. اتصل المراسلون بالأرقام المدرجة في القائمة وحصلوا على عروض أسعار، حيث عرضت إحدى الوكالات تأشيرة مقابل 2,800 دولار. وقال السمسار إن وقت المعالجة سيتراوح بين سبعة إلى 15 يومًا.

عدد اللاجئين/ات الذين تم احتجازهم وترحيلهم بسبب الدخول غير النظامي خلال العام الماضي غير واضح، على الرغم من أن المشروع العالمي للاحتجاز والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد سجلتا أو أبلغتا عن آلاف الحالات.

بالإضافة إلى اللاجئين المرحلين الخمسة عشر الذين تحدثوا مع المختصين في ذا نيو هيومنيتاريان ومنصة اللاجئين، تمكن المراسلون من تأكيد عشرين حالة أخرى من خلال مقابلات مع أقارب وأصدقاء اللاجئين المرحلين، و44 حالة إضافية من خلال قاعدة بيانات شاركها محامٍ من المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي مجموعة مجتمع مدني تراقب انتهاكات حقوق الإنسان.

حصل المراسلون أيضًا على ملفات من الشرطة والجيش والنيابة العامة تتعلق بما يقرب من 200 لاجئ آخر تم اعتقالهم واحتجازهم من قبل السلطات، أحد الملفات وصف اعتقال 16 شخصًا، من بينهم طفل يبلغ من العمر عاما واحدا، وأفاد ملف آخر بحبس 14 شخصًا، من بينهم فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، استهدفت معظم حالات الاعتقال المواطنين السودانيين والسائقين المصريين، وهناك حالة واحدة تشمل ستة أشخاص من جنوب السودان.

غالبية الحالات التي تم التحقيق فيها من قبل المراسلين تتعلق باللاجئين الذين تم احتجازهم في جنوب مصر، إما بعد وقت قصير من عبورهم الحدود أو بعد وصولهم إلى أولى المدن الرئيسية في الجنوب (أسوان)، ولكن تحدث المراسلون أيضًا مع أقارب اللاجئين الذين تم اعتقالهم، في أثناء ممارسة أعمالهم اليومية، في المدن الشمالية مثل القاهرة والإسكندرية وتم ترحيلهم لاحقًا، مما يشير إلى أن حملة القمع هذه تمتد على مستوى البلاد بأكملها.

“هذا الشعور يخيم علينا”، يقول أحمد البالغ من العمر 34 عامًا، وكان قد دخل مصر بشكل غير نظامي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي ويقيم في القاهرة منذ خمسة أشهر، ويُكمل: “نادرًا ما أخرج من المنزل، أقوم برحلات قصيرة للحصول على الطعام فقط ثم أعود على الفور”.

قال لاجئون إن السلطات نفذت عمليات ترحيل جماعي، إذ نقلت الحافلات مئات الأشخاص إلى المعابر الحدودية، وقال ثلاثة منهم إن حرس الحدود أو عمال الإغاثة أعطوهم أكياسًا من الطعام والمشروبات ومستلزمات النظافة، وكانت الأكياس تحمل شعارات مطبوعة لبرنامج الأغذية العالمي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وفقًا للصور التي تمت مشاركتها مع الصحفيين، وقال اللاجئون أيضًا إن البلدات التي تم ترحيلهم إليها تفتقر إلى السكن والخدمات الأساسية.

وقالت ناصيفة، التي تم ترحيلها في أواخر شهر يناير: “عندما أخبرونا أنه سيتم ترحيلنا إلى السودان، بكى الأطفال لأن الجنود كذبوا عليهم، ولأنهم كانوا خائفين من العودة في ظل الحرب”، وذكرت ناصيفة إصابتها بنوبة ربو في أثناء احتجازها في قاعدة عسكرية، وقالت إن الجنود لم يحضروا لها الدواء.
شارك اللاجئون المرحلون صورا مع الصحفيين لحقائب تحمل شعارات مطبوعة لبرنامج الأغذية العالمي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

تعذيب ومطاردات وطرد سريع

يتم التعامل مع اللاجئين المحتجزين في جنوب مصر بشكل مختلف اعتمادًا على ما إذا تم اعتراضهم بالقرب من الحدود أو إذا تم اعتقالهم من داخل البلدات والمدن، وذلك وفقًا لشهادات الشهود والمقابلات مع المحامين والمسؤولين الحكوميين، والوثائق الداخلية للجيش والشرطة والنيابة العامة.

يكون اللاجئون عرضة للانتهاكات بشكل خاص إذا تم اعتراضهم بالقرب من المناطق الحدودية، التي تخضع للسلطة القضائية العسكرية في جميع أنحاء مصر، وتحرس هذه المناطق قوات حرس الحدود، وهي جزء أساسي من الجيش المصري، ويتطلب الوصول إلى هذه المناطق، بما في ذلك للمنظمات الإنسانية والحقوقية، الحصول على تصاريح من السلطات العسكرية.

وقال العديد من المحامين ومصادر في حرس الحدود إن اللاجئين السودانيين المحتجزين في هذه المناطق يتم ترحيلهم بسرعة من قبل قوات حرس الحدود دون تسجيلهم ودون أي إجراءات قانونية، وقالت المصادر إن هذا لا يتماشى مع الطريقة التي اعتاد حرس الحدود التعامل بها مع اللاجئين والمهاجرين الذين يتم اعتراضهم في المناطق الحدودية.

فيما قال ضابط عسكري خدم في حرس الحدود لمدة خمس سنوات: “في السابق، كانت عمليات الترحيل تتم بعد انتهاء المحاكمة العسكرية والإحالة إلى السلطة المختصة”. وأضاف “إلا أننا نشهد الآن اتجاهًا جديدًا إذ لا يتم تسجيل الأفراد المحتجزين رسميًا ولا يتم عرضهم على المحكمة”.

وقال أربعة لاجئين للصحافيين إن قوات حرس الحدود نصبت لهم كمينًا في الصحراء، وروى ثلاثة منهم أنهم تعرضوا للمطاردة من قبل مركبات عسكرية، فيما ادعى ثلاثة منهم أن الحرس أطلقوا النار على مركباتهم أو في الهواء، مما تسبب في حالة من الذعر، كما وصف اثنان من اللاجئين تعرض سائقيهم المصريين للتعذيب والضرب على أيدي حرس الحدود بعد القبض عليهم.

قالت أمينة، وهي لاجئة عبرت الحدود في شهر فبراير/ شباط مع ١٣ آخرين، إن  سائق السيارة التي كانت تستقلها لعبور الحدود اصطدم بشجرة بعد أن اشتبك معهم حرس الحدود في مطاردة بالسيارة استمرت ٣٠ دقيقة عبر الجبال، وقالت إن سائق السيارة هرب بعد الاصطدام، لكن مساعده، المراهق، تم القبض عليه ثم تعرض للتعذيب على يد أحد ضباط حرس الحدود، وقالت أمينة إن الضابط أجبر المراهق على خلع ملابسه وركله وعلقه بحبل واخترق شرجه بعصا حتى نزف.

الفيديو عبر منصات وسائل التواصل الإجتماعى وحجبت هويه الناشر للأمان.

حينها قالت أمينة للفتيات معها: “لقد عايشتم الحرب ورأيتم الفظائع، فلا تنظروا إلى ما يحدث”، وأضافت أن حرس الحدود أهانوا مجموعة اللاجئين قبل احتجازهم.

تجربة أمينة ليست فريدة من نوعها، فقد قامت منظمة “ذا نيو هيومنيتاريان” و”منصة اللاجئين” بتحليل تقارير وسائل الإعلام المحلية، ووجدت ١٣ حادث تصادم سيارات معظمها لمواطنين سودانيين يسافرون على نفس الطرق الجنوبية التي يسلكها اللاجئون، وقد أصيب أكثر من ١٦٠ شخصًا ولقي ٢٠ شخصًا حتفهم في الحوادث التي وقعت بين مايو/ أيار ٢٠٢٣ وفبراير/ شباط ٢٠٢٤، على الرغم من أن تقارير الصحف المحلية وصفت تلك الوقائع جميعا بأنها مجرد حوادث سيارات.

كما حصل المراسلون على وثائق داخلية للشرطة والنيابة العامة تتضمن تفاصيل ثلاث حوادث تصادم سيارات، أودت إحداها بحياة العديد من الأشخاص، لا يتهم الناجون المذكورون في الوثائق قوات حرس الحدود بالتسبب في الحوادث، لكن لم يتم التحقيق في القضايا بشفافية، ولم يتم التعامل مع الجثث المجهولة الهوية بعناية، وفقًا لما ذكره محامٍ رفيع المستوى في أسوان، أكبر مدن جنوب مصر.

وقال المحامي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، خوفا من خطر التعرض لأعمال انتقامية من الحكومة، إن الشرطة المدنية والنيابة العامة طُلب منها التحقيق في بعض الحوادث، لكنها تفتقر إلى سلطة القيام بذلك عندما تتعلق الوقائع بمناطق تخضع لسلطة الجيش.

تحقيقات و"اتهامات باطلة"

لا يزال اللاجئون الذين يمرون عبر المناطق الحدودية دون أن يتم اكتشافهم يتعرضون لخطر الاعتراض، ويمكن أن يحدث ذلك في الشوارع، أو في محطات الحافلات والقطارات في المدن الجنوبية مثل أسوان، أو خلال رحلة الألف كيلومتر شمالًا إلى القاهرة أو الإسكندرية، حيث يمكن للاجئين الوصول إلى مكاتب المفوضية لتسجيل أنفسهم.

على عكس أولئك الذين تم اعتراضهم على طول الحدود، لا يتم ترحيل اللاجئين المعتقلين في هذه المناطق على الفور، ومع ذلك، تُظهر الوثائق الحكومية الداخلية والمقابلات مع اللاجئين كيف يواجهون تحقيقات كافكاوية (عبثية) دون الوصول إلى المحامين، مما يؤدي إلى الترحيل بغض النظر عن النتيجة.

حصل الصحفيون على ملفات ما يقرب من ٢٠٠ لاجئ واجهوا تحقيقات، وتتضمن الملفات تقارير الاعتقال الداخلي، والتحقيقات التي أجرتها الشرطة وحرس الحدود وجهاز الشرطة السرية “المباحث” وإدارة مكافحة الهجرة “غير الشرعية” والاتجار بالبشر، والقرارات التي اتخذتها النيابة العامة.

في وثائق التحقيق، غالبًا ما يتم اتهام اللاجئين بالانتماء إلى جماعات التهريب أو يتم وصفهم بأنهم “خارجون عن القانون ومشتبه بهم” وأنهم مسؤولون عن “إلحاق ضرر جسيم بكرامة وسمعة مصر”، وتتطابق اللغة والادعاءات في العديد من الوثائق المختلفة، الأمر الذي قال عنه محامون محليون إنه يشير إلى أن التهم مبيتة.

مَثَل العديد من اللاجئين أمام النيابة العامة، ومع ذلك يبدو أن أحكام الإدانة نادرة الحدوث: ففي ٣٤ حالة حصل فيها الصحفيون على وثائق تفصِّل قرارات النيابة العامة، انتهت الإجراءات جميعها بإفادات المدعي العام التي تدعو إلى الإفراج عن المتهمين بسبب نقص الأدلة.

وبعد صدور قرارات الإفراج، يتم تسليم اللاجئين إلى الأجهزة الأمنية، وفقًا لما ذكره المحامون وشهادات اللاجئين، ثم يتم إصدار أوامر ترحيل بحقهم على أي حال، مما يثير التساؤلات حول سبب خضوعهم للإجراءات في المقام الأول!

طوال هذه الإجراءات، يُحرم اللاجئون باستمرار من الدفاع القانوني ومن فرصة الشروع في إجراءات اللجوء، كما قال محمود من الخرطوم، البالغ من العمر ٣١ عامًا، وقال إنه اعتُقل في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني واتهمته المباحث بارتكاب جرائم التهريب.

وقال محمود للصحفيين: “لقد عانينا من الظلم والاتهامات الباطلة دون أن تتاح لنا فرصة الدفاع عن أنفسنا أو الاتصال بمحامٍ”. وأضاف: “هذا على الرغم من علم السلطات بالرحلة المحفوفة بالمخاطر التي قمنا بها سعيًا للحصول على اللجوء في مصر”.

منذ ترحيله، قال محمود إنه “يعذبه” السؤال عن سبب معاقبة اللاجئين الفارين من منطقة حرب. ومع ذلك، قال إنه يعتبر نفسه محظوظًا لنجاته من الموت، نظرًا لأن آخرين عانوا “تجارب أقسى في نفس الرحلة”.

قوارض ومياه مجاري وحرارة خانقة

حدد المراسلون ستٌّ من القواعد العسكرية الرئيسية التي يُحتجز فيها اللاجئون، بعض المحتجزين السابقين قدموا إحداثيات للمنشآت، وفي حالات أخرى قام المراسلون بمطابقة صور الأقمار الصناعية من غوغل إيرث وماكسار مع صور فوتوغرافية ومقاطع فيديو مفتوحة المصدر للمواقع وصور من على الأرض، ومع أوصاف شفهية من اللاجئين/ات، المهاجرين/ات. 

تقع معظم المنشآت التي تم التحقق منها في قواعد يسيطر عليها الجيش في جنوب محافظة أسوان ومحافظة البحر الأحمر، خمس منها تديرها قوات حرس الحدود الخاضعة لسيطرة وزارة الدفاع، وواحدة تديرها وحدة شرطة تابعة لوزارة الداخلية.

لم يتم تحديد أي من هذه القواعد كمراكز احتجاز رسمية من قبل وزارة الداخلية، وهو شرط قانوني، وفقًا لثلاثة محامين محليين، طلبوا عدم ذكر أسمائهم بسبب خطر التعرض لأعمال انتقامية، وقالوا إن الاعتقالات بالتالي غير قانونية بموجب القانون المصري.

تُظهر صور الأقمار الصناعية لأربع من المنشآت سيارات نصف نقل من النوع الذي قال اللاجئون إن المهربين يستخدمونه، في إحدى المنشآت، تظهر أكثر من ٢٠٠ سيارة، بينما تظهر في صور منشأة أخرى، التقطت في ديسمبر/ كانون الأول ومارس/ آذار، عدد سيارات أكبر، وتدعم الصور الاستنتاج بأن هذه المنشآت تؤوي لاجئين وأن حرس الحدود منخرطون في عمليات واسعة النطاق لمكافحة اللاجئين والتهريب.

قال جميع المحتجزين السابقين إنهم مُنعوا من الاتصال بالمحامين والعاملين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأن قوات الأمن طلبت هواتفهم، رغم أن بعضهم تمكن من إخفائها، وذكر واحد منهم فقط إنه تمكن من التحدث إلى أقاربه خلال فترة احتجازه.

 فيما تكشف مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية وشهادات اللاجئين/ات عن ظروف مروعة داخل القواعد، التي عملت منظمة “ذا نيو هيومنيتاريان” و”منصة اللاجئين” على تحديدها من أجل توفير معلومات قد تكون مفيدة لأقارب اللاجئين المفقودين.

بقيت ناصيفة، اللاجئة التي تم ترحيلها في يناير/ كانون الثاني، في مكان تحقق المراسلون من أنه قاعدة حرس الحدود في أسوان، وقالت ناصيفة إن اللاجئين كانوا محتجزين في جزء من المنشأة يشبه “إسطبل خيول”، وأن المكان كان ضيقًا لدرجة الوافدين الجدد كانوا يحتجزون في فناء خارجي بارد،وأضافت أنه كان من بين اللاجئين/ات المحتجزين/ات امرأة كانت تعاني من نزيف، وأخرى تعاني من ارتفاع ضغط الدم، ورجل مصاب بسرطان الحلق.

فيما قالت أمينة، اللاجئة التي تعرضت لحادث السيارة، إنها مكثت في منشأة “سيئة للغاية” تحقق الصحفيون من أنها قاعدة أبو رماد العسكرية، قالت أمينة أنه لم يكن هناك إضاءة والمياه كانت غير كافية، وأن الحمام كان من دون باب، وقالت إنها طلبت دواءً لمرض السكري من الجنود لكنها لم تحصل على أي دواء في أثناء احتجازها.

ثلاثة من اللاجئين أفادوا بأنهم ظلوا داخل منشأة تحقَّق الصحفيون من أنها قاعدة الشلال التي تديرها وحدة شرطة تعرف باسم قوات الأمن المركزي، قالوا إن القاعدة تُستخدم للاجئين المحتجزين خارج المناطق الحدودية، وإنه يُسمح أحيانًا بزيارات عائلية قصيرة. 

قال محمود، اللاجئ المتهم بالتهريب، أنه مكث في  معسكر الشلال لمدة ٧٠ يومًا، وقال إن مئات الأشخاص كانوا مكدسين في مساحات صغيرة، وأن العديد منهم عانوا من التهابات في الجهاز التنفسي وأمراض جلدية بسبب تفشي القمل والقراد، قال محمود عن المكان: “إنه مثل القبر”، مضيفا: “قلة ضوء الشمس، إلى جانب الأبواب المغلقة، خلقت بيئة مواتية لانتشار الأمراض”.

منشأة أخرى تم تحديدها وتحديد موقعها الجغرافي من قبل الصحفيين هي قاعدة أبو سمبل العسكرية، وقال محتجزون سابقون ومحامون ومسؤولون حكوميون محليون إن اللاجئين يتم نقلهم إلى القاعدة من معسكرات عسكرية أخرى قبل ترحيلهم عبر معبر أشكيت الحدودي.

قالت ناصيفة إنها نُقلت إلى أبو سمبل من قاعدة حرس الحدود في أسوان، ووصفت الازدحام الشديد، وطَفْحَ مياه الصرف الصحي أمام المطبخ، وإصابة النساء والأطفال بالتسمم الغذائي، وقالت إن امرأة حامل في المخاض تُركت على الأرض لمدة ٩٠ دقيقة دون مساعدة طبية، وقالت إن في اليوم التالي لوصولها جلبت حافلات عشرات اللاجئين الآخرين إلى المخيم، في انتظار الترحيل.

لا مكان للذهاب

حددت المقابلات التي أجريت مع اللاجئين ومصادر أخرى مكانين رئيسيين يتم ترحيل اللاجئين منهما: معبر رأس حدربة، وهو للاجئين الذين يتم اعتراضهم في مثلث حلايب المتنازع عليه بين مصر والسودان، ومعبر أشكيت، وهو معبر مزدحم حيث يتم إرسال اللاجئين المرحلين إلى بلدة وادي حلفا المجاورة.

قال سبعة لاجئين إنهم نُقلوا إلى المعبرين الحدوديين إلى جانب مئات آخرين ثم تم تسليمهم إلى السلطات السودانية، وقد تم دعم رواياتهم بمقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لعملية ترحيل جماعي تم تحديد موقعه الجغرافي والتحقق منه من قبل المراسلين.

اضغطوا على علامة + لقراءة المزيد حول

  • في مارس الماضي، انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر ترحيل مئات الأشخاص على الحدود بين مصر والسودان. وادعى المستخدمون أن الفيديو تم تصويره في معبر أشكيت.

  • تحدث المراسلون إلى شاهد عيان كان في المعبر الحدودي عند حدوث عملية الترحيل، واستخدموا صور الأقمار الصناعية (التي تظهر مبنى وهوائي يظهران في الفيديو) لتأكيد الموقع.

قال اثنان من اللاجئين إن عمال الإغاثة المحليين قدموا لهم الدعم الإنساني على الحدود، فيما قال آخرون إنهم لم يحصلوا على أي مساعدة، وقال بعضهم إنه طُلب منهم حتى دفع تكاليف ترحيلهم من قبل السلطات المصرية.

العديد من اللاجئين الذين تم ترحيلهم إلى وادي حلفا أفادوا بأنهم ظلوا في المدينة الحدودية، التي يوجد بها قنصلية مصرية واجتذبت عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يسعون للحصول على تأشيرات خلال العام الماضي، وقد توفي العشرات منهم بسبب الجفاف وضربات الشمس والالتهابات أثناء انتظار التأشيرات، وفقًا لسجلات المستشفيات المحلية التي أطلعنا عليها وشاركها معنا أحد النشطاء الحقوقيون.

وقالت أمينة، اللاجئة التي تعرضت لحادث السيارة، إنه تم ترحيلها عبر رأس حدربة في أوائل شهر مارس/آذار، وقالت إن الجنود السودانيين أقلوها هي و٢٠٠ آخرين عند الحدود، ثم اقتادوهم إلى مدينة بورتسودان الشرقية في جرارات تستخدم عادةً لنقل الماشية، وقالت أمينة إنه تم إعطاؤهم شطائر وماء عند وصولهم إلى بورتسودان، لكن لم يكن لديهم سكن.

وعلى الرغم من محنتها، لم تمكث أمينة في بورتسودان لفترة طويلة، فسرعان ما اتصلت بالمهربين وانطلقت مرة أخرى إلى مصر، ونجحت هذه المرة في الوصول إلى القاهرة، وقالت إن الجنود المصريين شجعوها على القيام بالرحلة مرة أخرى، إذ أخبرها الجنود أنه من بين كل ٣٠ إلى ٤٠ سيارة تعبر الحدود، “نقبض على ثلاث أو أربع سيارات”.

بعد ترحيلها إلى المنطقة الحدودية الشمالية النائية في السودان في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، أخبرت ناصيفة الصحفيين أنها لم يكن لديها أي وسيلة للعودة إلى ولايتها في الجزيرة، إذ أفادت تقارير أن قوات الدعم السريع قتلت مئات المدنيين في الأشهر الأخيرة، ومع ذلك، قالت إن المخاطرة بحياتها مع المهربين في الصحراء للعودة إلى مصر ليس خيارًا مطروحًا أيضًا.

وقالت نصيفة لـ”ذا نيو هيومنيتاريان” ومنصة اللاجئين: “قد يكون الوضع في السودان سيئًا بما يكفي لجعل النجاة مستحيلة، لكن لن يغامر أحد بالخروج في ظل هذه الظروف.”