منذ يونيو الماضي و إلى اليوم، شهدنا زيادة كبيرة في عدد المهاجرين مقارنة بالأشهر السابقة وفي النصف الأول من شهر أغسطس فقط، وصل ما يقرب من ٢٥٠٠ شخص إلى شواطئ لامبيدوسا، غادر معظمهم من الساحل الليبي. في يونيو، وصل ما يزيد عن ٢٥٠٠ شخص، بينما ارتفع العدد في يوليو إلى أكثر من ٣٥٠٠ شخص، مع وصول ١٤ قاربًا للإرساء في أقل من ٢٤ ساعة،حيث كان على متنهم أكثر من ٦٠٠ شخص، تم إحضارهم إلى مركز الإيواء”كونترادا إمبرياكولا”، مرة أخرى تصل منشأة الإيواء بجزيرة لامبيدوزا إلى سعتها القصوى بل وتتجاوزها أحيانا. نهاية الأسبوع الأخير من أغسطس فقط، وصل أكثر من ألف شخص.
سواء بالليل أو النهار وصل العديد من الأشخاص إلى رصيف فافالورو في ميناء لامبيدوسا، على متن زوارق لدوريات تابعة لخفر السواحل الإيطالي، و لاغوارديا دي فينانزا – الشرطة الإيطالية المختصة في الجرائم المنظمة-، ووكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، كما تمكنت بعض القوارب من الوصول ذاتيا و التي غالبا ما تحددها السلطات من خلال بلاغات من منظمة (هاتف الإنذار) أو طائرات البحث التابعة لمنظمات المجتمع المدني وعلى الرغم من التحديات التي يضطر الأشخاص المهاجرون/ات إلى مواجهتها، والعنف الذي يتعرضون/ن له بشكل منهجي بسبب نظام الحدود، فإنهم يواصلون/ن البحث عن طرق بديلة للوصول إلى أوروبا، مما يظهر شجاعة هائلة وتصميمًا وصمودًا. لا تزال مثابرتهم تظهر الحاجة الملحة إلى التغيير السياسي الذي يمكن أن يحترم كرامتهم وحقهم في حرية التنقل.
وعلى عكس السرد السائد الذي يركز على قدرة الحكومة اليمينية المتطرفة على “منع المغادرة” والوصول، وخطاب “كل شيء خاضع للسيطرة”، مع ذلك بفضل اتفاقيات جورجيا ميلوني مع دول شمال إفريقيا، شهادات الذين عبروا يتحدثون عن قصة مختلفة تمامًا،.
الوضع أبعد ما يكون عن “خاضع للسيطرة”، وقد أدى إضفاء الطابع الخارجي على الحدود – اتفاقيات تمديد الحدود الأوروبية- إلى زيادة صعوبة الوصول إلى البحر وعبوره، في كثير من الأحيان، يتم القبض على الأشخاص المهاجرين أثناء محاولتهم عبور البحر على الشاطئ قبل بدء الرحلة أو يتم اعتراضهم بعنف في البحر – بفضل تزويد ليبيا وتونس بالمعدات البحرية من إيطاليا – حيث يتعرضون للضرب، ويتم نقلهم قسراً إلى الحدود الليبية والجزائرية، وغالباً ما يتم التخلي عنهم يموتون في الصحراء، أو يتعرضون في أحيان أخرى لعمليات الإعادة القسرية المتسلسلة التي يحظرها القانون الدولي.
وعلى رغم أن الزيادة في عدد المهاجرين العام الماضي كانت مرتبطة إلى حد كبير بالسياسات العنصرية للحكومات والسلطات التونسية، فإن مقارنة الوضع الحالي بالوضع في عام ٢٠٢٣ أمر مضلل. انخفاض أعداد المهاجرين لا يشير إلى تغير في أسباب المغادرة بل إلى زيادة في آليات المراقبة، فالأشخاص المتنقلون الذين فقدوا منازلهم ووظائفهم، واضطروا إلى النزول إلى البحر في ظروف خطيرة للغاية في عام ٢٠٢٣، يواجهون الآن المزيد من العقبات في مسارات هروبهم.
ومع ذلك، فإن القمع في تونس، سواء على الأرض أو على طول الساحل، لا يزال يضرب بشدة الأشخاص المتنقلين/ات، ولا سيما أولئك الذين ينحدرون من أصول من جنوب الصحراء الكبرى، والذين يعانون من العزل الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي ومعرضين/ات لعنف الشرطة. وعلاوة على ذلك، فإنها لا تزال قائمة و محاصرين في طي النسيان حيث يصعب في كثير من الأحيان الهروب من التعذيب والعنف، مع تزايد الضوابط المنهجية والمنع في البحر من قبل الحرس الوطني، وبالتالي استحالة العودة إلى بلدهم الأصلي. كثيراً ما يتم التخلي عنهم في الصحراء على الحدود بين ليبيا والجزائر، ويتعرضن للاغتصاب، ولا يستطيعون الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية، وفي غياب تام للتدخل المؤسسي الدولي.
إن العنف الهيكلي الذي تحدده الأوضاع الجيوسياسية للبلدان التي يغادر منها الناس وإخراج الحدود، يظهر في لامبيدوسا: في انخفاض عدد المهاجرين، وفي حطام السفن، في الجثث المنتشلة، وفي علامات التعذيب والندوب على أجساد المهاجرين. بالفعل، لا تزال لامبيدوسا ترى الناس يصلون موتى إلى البحر، الوفيات الناجمة عن الغرق بسبب غرق السفينة أو بسبب التسمم الناتج عن استنشاق المواد الهيدروكربونية، الوفيات تتزايد بشكل كبير بالنسبة للأشخاص الذين يقتربون من المحرك في الجزء السفلي من القارب خلال الرحلة.
أما أولئك الذين يتمكنون من الوصول، فيتم “إستقبالهم” في رصيف فافالورو،الأخير الذي لا تزال ظروفه الهيكلية غير إنسانية وغير كافية، مع درجات الحرارة المرتفعة للغاية في شهر أغسطس، يصطف الأشخاص المتنقلين/ات تحت أشعة الشمس الحارقة، غالبًا حفاة القدمين أو بدون أحذية، انتظار على رصيف الميناء من الخرسانة (الساخنة)، لا يزال هذا الرصيف مليئاً بالثقوب والعقبات التي تعيق مرور مركبات الإنقاذ: ومن الأمثلة الحديثة على ذلك شخص غادر ليبيا، وصل في منتصف أغسطس، وكانت أطرافه مبتورة لم يتمكن الكرسي المتحرك والنقالة التي استخدمها المهاجر للتنقل من العبور، بسبب الأنابيب المستخدمة لتنظيف القوارب الراسية من قبل جواردييا دي فينانزا وفرونتكس.
لا يتجاوز وقت النزول في كثير من الأحيان ١٥ دقيقة: من الفحص الطبي إلى الأسئلة التجريمية التي توجهها فرونتكس عبر ضباطها والتي تهدف إلى تجريم أشخاص المهاجرون والسيطرة بشكل متزايد على الحدود، إلى الوصول إلى حافلة الصليب الأحمر. وفي ظل الاندفاع المؤسسي لإبعاد هؤلاء الأشخاص عن أعين السياح، لا يُسمح لهم في كثير من الأحيان بالذهاب إلى المرحاض عند مدخل الرصيف، المراحيض التي لا تزال تفتقر إلى المياه الجارية وظروفها غير إنسانية، مع أبواب مكسورة، ومن المستحيل إغلاقها بشكل صحيح، وسقوط قطع من الجدران، كل هذا دليل آخر على نية مؤسسية واضحة بعدم خلق مساحة كريمة وكافية لأولئك الذين يصلون إلى الجزيرة دون جواز سفر أوروبي.
بالإضافة إلى ذلك: الترحيلات السريعة:
على الرغم من استخدام جميع الوسائل الممكنة للمراقبة والاحتواء،اخرها الاتفاق بين إيطاليا وألبانيا، باستثمار قدره ٧٠٠ مليون يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة من قبل الحكومة الإيطالية اليمينية والذي سيؤدي إلى نقل الأشخاص المهاجرين الذين تنقذهم السلطات الإيطالية في مدينة ساحلية شمال ألبانيا، حيث سيتم التحقيق في طلبات اللجوء – بسبب الخوف من “ظاهرة سبتمبر ٢٠٢٣”، عندما وصل ما يقرب من ١٥٠٠٠٠ شخص إلى لامبيدوسا في غضون أسبوع.
حتى الآن، يتجسد هذا الخوف في النقل شبه الفوري للأشخاص الذين يصلون متعبين ومنهكين بعد رحلة أيام في البحر في قوارب غير آمنة وغير مجهزة بشكل كافٍ.
من المركز، الذي يديره الصليب الأحمر، يتم وضع الأشخاص في الحافلات للوصول إلى الرصيف التجاري، حيث ترسو العبارات للوصول إلى ميناء بورتو إمبيدوكلي بعد أكثر من 9 ساعات من السفر. لقد أصبح من الشائع بشكل متزايد أن يبقى المهاجرين/ات لبضع ساعات فقط في مركز لامبيدوسا، حيث يتم التعرف عليهم فقط وأخذ بصمات أصابعهم، دون أن يتمكنوا من الراحة أو الاستحمام أو تناول وجبة ساخنة .
هذا يعني أيضًا أن المنظمات والوكالات المؤسسية، التي تتواجد بشكل متزايد في المركز الإيواء ولديها تفويض لتحديد نقاط الضعف، حتى تلك الأقل وضوحًا والأكثر دقة، والوضعيات الشخصية لأولئك الذين وصلواً مؤخرًا، في نهاية المطاف لايتمكنون من القيام بالعمل المناسب، على الرغم من الجهود التي غالبا تنتهي قبل بدايتها، ولكن مع عواقب ستقع فقط على الأشخاص المتنقلين.
على الرغم من أن العديد من المنظمات قد دعت إلى تسريع عمليات النقل، عندما كان يحبس المهاجرين في لامبيدوسا لعدة أشهر – حتى قبل تنفيذ خطة الطوارئ في أبريل ٢٠٢٣ ومجيء الصليب الأحمر كمدير مركز الإيواء – إن ما نشهده اليوم، وسرعة التنفيذ، لا يذهب في اتجاه توفير حماية أكبر لحقوق الأشخاص المتنقلين، بل في اتجاه انتهاكها
ويتم تقليص الوقت اللازم لتقديم المعلومات القانونية المناسبة، مما يسهل توجيه الأشخاص الذين يصلون إلى الاحتجاز بهدف الطرد
في النهاية.
استأنفت الحكومة محاولاتها لتنفيذ إجراءات حدودية جديدة، داخل مركز الاحتجاز الجديد المجاور لـإمبيدوكلي: ٧٠ سريرا في حاويات، تستضيف حاليًا ٦ مواطنين تونسيين، أحدهم محتجز لدى محكمة باليرمو. تجربة غير دستورية، لكنها في طور التنفيذ، ويصبح أمامها الحوار مع الأشخاص المتنقلين لإعلامهم بحقوقهم أكثر أهمية.
لامبيدروزا- أغسطس ٢٠٢٤
لقد شهدنا مرة أخرى هذا الصيف كوارث يمكن التنبؤ بها ويمكن تجنبها، ناجمة عن نظام حدودي عنيف يمنع المهاجرين من تقرير مصيرهم في اختيار المكان الذي يعيشون فيه. ومع ذلك، وفي مواجهة سياق مثل سياق لامبيدوسا، الذي يتسم بالعسكرة و العنف على نحو متزايد بكل تفاصيله – من الوجود المكثف لقوات الشرطة والجيش إلى الأسلاك الشائكة، ومن الشاحنات المدرعة إلى أماكن الحبس حيث تكتم المعلومات ويخفى ما يحدث.
يبدو من المهم الاستمرار في دعم أولئك الذين، على الرغم من كل شيء، يواصلون تحدي وعبور الأجهزة الحدودية المتطورة بشكل متزايد والموجودة في وسط البحر الأبيض المتوسط، في محاولة لممارسة حريتهم في الحركة.
لامبيدوسا، أغسطس ٢٠٢٤-
تقرير من منظمة مالدوزا
ترجمة منصة اللاجئين في مصر
لقراءة التقرير على موقع مالدوزا الرسمي، باللغة ” الإنجليزية، الإيطالية”