عندما تتحول الحكومة إلى سمسار أزمات.. لماذا نرفض مشروع قانون لجوء الأجانب

عندما تتحول الحكومة إلى سمسار أزمات.. لماذا نرفض مشروع قانون لجوء الأجانب

فاجأت الحكومة المصرية اللاجئين المقيمين على أرضها، والمنظمات المعنية بحقوقهم بموافقتها على مشروع قانون لجوء الأجانب، في يونيو 2023، وبعد هذا الإعلان المفاجئ تكتمت الحكومة المصرية تمامًا على مشروع القانون، كأنه سِرٌّ عسكري، وبعد عام ونصف تقريبا من هذا الإعلان، كرر الجناح التشريعي للنظام السياسي مفاجأة جميع المعنيين بشأن اللجوء بموافقة لجنة الدفاع والأمن القومي على مشروع القانون، ومرة أخرى دون إفصاح عن تفاصيل المشروع في البداية، وبعد أيام خرجت مواد القانون إلى العلن.

جاءت نصوص مشروع القانون مؤكدة لحقيقة واحدة، أن النظام السياسي الذي لم يترك منفذا للوصول إلى مصادر دخل مواطنيه، انتقل إلى مصادر دخل الأجانب بالشراسة نفسها التي يتتبَّع فيها أموال المصريين، فبدءا من قرارات توفيق أوضاع الأجانب ذات القيمة الدولارية، مرورا بتشديد إجراءات الإقامة ورفع رسوم التعاملات على الأجانب في مصر، انتهى النظام السياسي إلى البدء في السيطرة على موارد المؤسسات الدولية الموجهة إلى اللاجئين باحتكاره لكامل عملية اللجوء بدءا من حصر الأعداد، وانتهاء بإسباغ وصف اللاجئ على أحدهم أو رفضه، وحتى نزْعه عمن أُسبغ عليه الوصف.

بدا الارتباك الحكومي من أول مادة في مشروع، إذ استقى المشرِّع تعريف اللاجئ من المواثيق الدولية، جامعا بين تعريف اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان وميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، وزاد على ذلك بضم عديمي الجنسية إلى تعريف اللاجئ، وهذا النص بصيغته يجعل كل شخص انطبقت عليه أوصاف التعريف مستحقًّا لوصف اللاجئ داخل مصر بمجرد اجتياز حدودها، لكن المشرِّع انقلب على النص المؤسِّس للقانون بباقي المواد التي فرَّغت المادة الأولى من مضمونها وفاعليتها، ما يعكس مغازلة مرذولة للجهات التي يتغيَّا النظام مِنَحَها وعطاءاتِها.

جاءت مواد القانون منشئة لهيئة غير مستقلة، تشكِّلها الحكومة وتنفق عليها من موازنة الدولة، وتعين أعضاءها من وزارات الدولة، دون وجود لأطراف مستقلة عن قرار وتوجهات النظام السياسي، وهو النظام المعروف بعداوته لمجتمعات اللاجئين، بالنظر إلى حملات التحريض ضدهم على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حسابات مرتبطة به، مرورا بامتهان كرامتهم من قبل الأمن بما في ذلك أمام مكاتب المفوضية، وانتهاء بحملات الاعتقال والترحيل القسري والاحتجاز التعسفي لمجتمعات اللاجئين، وهي الوقائع التي يمكن الرجوع إليها على موقع “منصة اللاجئين في مصر” الذي وثَّقنا فيه صور انتهاكات متعددة.

لم يكتف المشرِّع بإنشاء هيئة حكومية للفصل في قضايا اللاجئين، فأضاف لها صلاحيات مدمِّرة لحيوات الفارِّين إلى مصر، بعبارات فضفاضة لا ضابط حِسِّيٍّ لها يمنع صاحب القرار من التعسف في استخدام الصلاحيات الممنوحة له، أو تُمكِّن المتظلم من دفع الظلم عنه، وربما تكون هذه التسوية الوحيدة بين اللاجئين والمصريين في مشروع القانون، وما توضحه نصوص القانون أن اعتبارات (الإرهاب والأمن القومي) قد تودي بمصير اللاجئ، وهو ما نشهده من قبل صدور القانون، عبر قرارات وزير الداخلية بإبعاد أجانب بقرار وزاري لـ”اعتبارات تتعلق بالصالح العام” دون تفصيل هذا الصالح العام!

هذه الأوضاع التي ألصقت الهيئة بالنظام السياسي، لم تكن كافية في نظر واضعي المشروع، ولزيادة ضمان ألا تخرج الهيئة عن الإطار المرسوم لها، فقد أحال مشروع القانون الكثير من الضمانات الإجرائية وتفاصيل الحماية الأساسية للائحة التنفيذية، وهي الوثيقة التي يفترض أن تكون شارحة وليست مكمِّلة للقانون، وهذا الوضع يجعل التعديلات شديدة السهولة، إذ لا تحتاج إلى أكثر من قرار دون عرضه على الجهات النيابية.

أما ما يتعلق بحياة اللاجئين في مصر، ففضلا عن تهديد وجودهم الدائم بسيف الألفاظ الفضفاضة، فإنهم ممنوعون من مزاولة الأعمال النقابية أو إنشاء الجمعيات الأهلية التي تنظم مجتمعاتهم، وتحافظ على هويتهم وثقافتهم المشتركة، بالإضافة إلى منعهم من مزاولة العمل السياسي، فيصبح ممنوعا على اللاجئ أن يتكلم في الشأن العام الخاص بالدولة التي يقيم فيها، رغم تعرضه لمشاكلها السياسية.

كذا يسمح القانون للجنة بإبعاد اللاجئين إذا رأت ما يستدعي ذلك، ورغم إتاحة القانون التظلم على قراراتها أمام القضاء الإداري، فإن مشروع القانون لم ينص على إبقاء اللاجئ -الذي صدر بحقه قرار الإبعاد- داخل البلاد إلى حين الفصل في خصومته القضائية.

إنَّ خروج اللاجئين أمرٌ اضطراري لظرف حمَلَ الشخص على مغادرة وطنه الأصلي، واختيارَه لدولةٍ ما محكومٌ بعواملَ متعددةٍ منها مظنَّة وجود الأمان في ذلك البلد، إلا أن مشروع القانون يهدم هذه الصورة، لصالح الاستحواذ على أي موارد يمكن أن يستغلها النظام المصري من وجود اللاجئين في مصر، ما يحول النظام السياسي إلى سمسار أزمات، بدلا من أن يكون عامل تخفيف على النازحين واللاجئين، لذا نجدد رفضنا في “منصة اللاجئين في مصر” مشروع القانون المقترح، ونطالب بإعادته إلى النقاش مع مجتمعات اللاجئين والمنظمات المعنية بحقوقهم، وقد سبق للمنصة بالاشتراك مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إصدار تحليل معمق لنصوص القانون، يمكن الرجوع إليه هنا، أو إلى ملخص ورقة السياسات هنا.

Edition Scan this QR code to read on your mobile device QR Code for عندما تتحول الحكومة إلى سمسار أزمات.. لماذا نرفض مشروع قانون لجوء الأجانب
Facebook
Twitter
LinkedIn