Search
Close this search box.
بيانات

ضد السياسات الأوروبية والتونسية المناهضة للمهاجرين السّود والمهاجرات السّوداوات

عسكرة الحدود وتمديدها
عسكرة الحدود وتمديدها

فريق عمل منصة اللاجئين في مصر

منصة رقمية مستقلة تهدف لخدمة اللاجئين واللاجئات.

بصفتنا باحثين وباحثات وأعضاء من المجتمع المدني، من الجنوب والشمال، نؤكّد موقفنا المشترك من ”مذكّرة التّفاهم بشأن شراكة استراتيجية وشاملة بين الاتحاد الأوروبي وتونس“، الموقّعة في 16 جويلية 2023، ونعلن مناهضتنا لسياسات الاتحاد الأوروبي المتمثلة في تصدير حدودها الخارجية. كما نرفض مختلف المداخلات والتّصريحات العلنية للرئيس قيس سعيد، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، والعديد من أعضاء مجلس نواب الشعب المستهدِفة للمهاجرين منذ فيفري 2023.

لقد بات اصطفاف تونس وراء سياسات تصدير الحدود الأوروبية أمرا قائما منذ فترة طويلة، لكن الجديد هو المنعرج الخطير الذي أخذته هذه السياسات في تونس والمتمثّل في قبولها مع كلّ ما تنطوي عليه من خلفيات عنصرية وهو ما ندينه. فتونس أصبحت تعلن صراحة عن إرادتها في ترسيخ نظام إقصاء لمواطني/ـات دول إفريقيا جنوب الصحراء واستغلالهم/هنّ. وبدلاً من إدانة هذا التّصعيد العنصري، المستند إلى خطاب شعبوي قائم على نظرية المؤامرة في سياق انحراف استبدادي واضح، استغلّ المسؤولون الأوروبيون ما يسمّى بالهجرة غير النظامية لتقديمها على إنّها ”آفة مشتركة“، معزّزين بذلك، وبطريقة انتهازية وغير مسؤولة، الخطاب الرئاسي، ومواصلين تغذية إرهاب المهاجرين والمهاجرات والسّود والسّوداوات، مع الإيهام بأنّهم يساعدون تونس في حماية حدودها الخاصّة أكثر من حماية الحدود الأوروبية.

ونحن إذ نعرب عن تضامننا الكامل مع جميع المهاجرين والمهاجرات، ونعلن رفضنا لخطاب الكراهية على جانبي البحر الأبيض المتوسط، فإنّنا نسعى، في نفس الوقت، بصفتنا أكاديميين وأكاديميات وأعضاء من المجتمع المدني، إلى تصحيح الأخبار المضلّلة التي ما فتئ ينشرها في تونس عدد من المسؤولين السياسيين والصحفيين والأفراد الذين يقدّمون أنفسهم كجامعيين، ويختلقون حججًا عنصرية خالية من أيّ أساس واقعي. كما إنّه من الملحّ جدّا التّساؤل عن أسباب استخدام الفئات الضعيفة كبش فداء للتّعتيم عن فشل السياسات العامة في تونس.

كلاّ، إن مواطني ومواطنات دول إفريقيا جنوب الصحراء ليسوا بالـ”آفة“ التي حلّت بتونس

لقد كان للبيان الرئاسي الصادر في 21 فيفري 2023، والذي يشير إلى ”جحافل المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء“ التي تهدّد ”بتغيير التّركيبة الدّيمغرافية لتونس“، تبعاته في إثارة هجمات عنيفة استهدفت السّود، وإطلاق اعتقالات تعسفية، وطرد للمهاجرين والمهاجرات السّود من بيوتهم، وفصلهم من عملهم. وفي حين نظّمت عديد السّفارات عمليات إعادة توطين لمواطنيها، فرّ عدد كبير آخر عن طريق البحر – وهو ما جعل عمليات جنوح المراكب، وعدد الوفيّات، وحالات الاختفاء قبالة السواحل التونسية تزداد على نحو كبير خلال هذه الفترة-. ولا يزال بضع مئات من الأشخاص ينامون في العراء أمام مكاتب المنظمة الدولية للهجرة (IOM) والمفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في تونس، ويطالبون بنقلهم أو إعادة توطينهم إلى بلدان آمنة.

في بداية شهر جويلية، تصاعدت هذه الاعتداءات مرة أخرى في صفاقس إثر وفاة مواطن تونسي منسوبة إلى مواطن من جنوب الصحراء، وكان سبقها مقتل مهاجر من البنين طعنا حتى الموت. وفي سياق انتشار خطاب الكراهية الصّريح والذي لا يخلو من صفاقة، شنّت قوات الأمن التونسية مداهمات في صفاقس حيث قامت بترحيل ما لا يقل عن 1200 مواطن من جنوب الصحراء إلى الحدود مع ليبيا والجزائر، وزجّت بهم في مناطق صحراوية عسكرية مغلقة يمنع دخولها، تاركة إيّاهم بدون ماء، ولا طعام مع تعريضهم للعنف في أغلب الأحيان، وقد أرسل الكثير منهم صورا عن أوضاعهم المأساوية طالبين الإغاثة -وهي حقيقة أنكرتها وزارة الداخلية في حين أكدت مصادر مختلفة تسجيل 20 حالة وفاة حتى الآن وقد يكون هذا الرقم أقل من الحقيقة.

والمؤسف أنّ وراء التصنيفات الموحية بالعنصرية من نوع ”الأفارقة جنوب الصحراء“ أو ”الأفارقة“ أو ”المهاجرين غير النّظاميين“، يوجد طلبة وطالبات، وعمّال وعاملات، وطالبي وطالبات لجوء، وأشخاص قدموا لأسباب طبية، وآخرون ينتظرون تصاريح إقامتهم منذ سنوات، وغيرهم من الذين لم يتمكنوا من مغادرة التراب التونسي حتّى يتسنّى لهم تجديد تأشيراتهم. هكذا يُحجب تنوّع المسارات والوضعيات، وتصبح إنسانية البشر خارج مجال الرّؤية. ولئن لم يستطع عدد هامّ من هؤلاء تسوية وضعياتهم، فلأنّ الإطار تشريعي تجاوزه الزّمن وغير متجانس، والإجراءات الإدارية بطيئة ومعقّدة. وكما هو الحال بالنسبة لعديد من المواطنين والمواطنات التونسيين والتونسيات في أوروبا، فإن هجرتهم تصبح غير قانونية بموجب القوانين والممارسات التي تصنف سكان القارة الأفريقية بين مهاجرين ومهاجرات ”مرغوب فيهم/هنّ“ و”غير مرغوب فيهم/هنّ“، ويُجرّم جزءا كبير من الشباب المهاجر. في المقابل، لا يُشار بالبنان إلى الإقامة غير النظامية للمهاجرين القادمين من دول الغرب –وهي ظاهرة منتشرة نسبيا في تونس بسبب نفس الاختلالات الإدارية- ولا يُنظر إليها كمشكلة أمنية.

علاوة على ذلك، ليس هناك ما يؤكد أن العمال المهاجرين والعاملات المهاجرات هم المسؤولون عن تدهور الاقتصاد التونسي، كما يشير إليه خطاب كراهية الأجانب، فهم في الواقع، مثلهم مثل العديد من التونسيين، مستغَلّون ومستغلات  ومعرَّضون ومعرّضات إلى مخاطر الهشاشة والضعف الغذائي. فالأزمة الاقتصادية الحالية في تونس مصدرها غياب المنظور الاقتصادي، وسياسات التقشف المدعومة دوليًا، وسوء إدارة الدَّيْن العام، وعجز الدولة التونسية على ردم الهوّة بين التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

كلاّ، المذكّرة مع الاتحاد الأوروبي لا تحمي السيادة التونسية

في مداخلاته العلنية، يَظهر الرئيس قيس سعيد مدافعا عن سيادة تونس بإعلانه أن البلاد لن تقبل بالتحوّل إلى ”بلد إعادة توطين“ المهاجرين والمهاجرات المطرودين والمطرودات من أوروبا، ولا إلى ”بلد عبور أو مكان إقامة“، ولا أن تلعب دور حرس حدود الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، فإن المذكرة، التي يتعهّد فيها الاتحاد الأوروبي بتقديم الدّعم المالي من أجل إدارة الحدود، تُبيّن أن الحكومة تواصل تضمين أهداف السياسة الأوروبية من خلال التعهّد الكامل بتأمين حدود الاتحاد الأوروبي. هكذا يحافظ الرئيس على نفس مسار الإجراءات التي انتهجها أسلافه، وقد يذهب إلى أبعد من ذلك في مجال تصدير الحدود الأوروبية، إذ تنصّ الاتفاقية على ”منظومة تعرّف على المهاجرين غير الشرعيين الموجودين في تونس وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية“. وهو ما يشير إلى تطوير مقاربة ”النقاط الساخنة hotspot“، والتي تدار بموجبها أدفاق الهجرة في مستوى الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، أي في بلدان مثل تونس، بغاية منع أي الوصول إلى القارة الأوروبية. هذا، وفي حين تّدعي الحكومة رفض توطين المهاجرين من جنوب الصحراء، فإن إغلاق الحدود يساهم في حجزهم في تونس.

كلاّ، لن يستفيد الشعب التونسي ولا الأوروبي من هذه المذكّرة

في تواصل مع اتفاقيات الهجرة التي تم إبرامها قبل عام 2011 وبعده، وُقّعت هذه المذكرة على نحو غير شفّاف، دون استشارة البرلمانيين، والنقابات العمالية، والمجتمع المدني. وهي لا تنصّ على ضمانات مضبوطة فيما يتعلق باحترام الحقوق الأساسية، وإجراءات متابعة الهبات المخصّصة لقوات الأمن التونسية.

وبالتالي، فإنّ الاتحاد الأوروبي يُمعن في منح صكّ على بياض لنظام يبحث على اعتراف دولي. ومثل هذه الاستراتيجية، بقدر ما هي غير مسؤولة، فهي غير مجدية أيضا. لأنّه طالما لم تقيم الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية لما يسمّى بالهجرة غير النظامية، ولم يتمّ إعادة النّظر، جذريا، في إتاحة التنقّل، ستواصل المقاربة الأمنية في جعل العبور أكثر فتكًا وفي تعزيز سطوة المهرّبين.

كما ستزيد هذه المذكرة من تعميق الاختلال في إتاحة التنقل، وعدم تساوي الفرص بين الاتحاد الأوروبي وتونس، لا سيّما بمساهمتها في ما يسمى ”هجرة الأدمغة“، ومواصلة النماذج الاقتصادية التي تغذّي أسباب الهجرة وعدم المساواة. وحتّى الوعود المبهمة التي قدّمها الاتحاد الأوروبي لتونس مثل تسهيل الحصول على التأشيرة، و”شراكات المواهب“ فإنّها لم تنفّذ أبدًا. وبالتالي، فإن تصدير الحدود الأوروبية يؤثر سلبا على مجموع مهاجري ومهاجرات القارّة ”غير المرغوب فيهم/هنّ“، تونسيين وتونسيات كانوا أم من مواطني البلدان الأفريقية الأخرى.

وعلى صعيد آخر، لن تحظى الإرادة المعلنة للمذكرة في ”الحفاظ على الحياة البشرية“ بمصداقية تذكر والحال أنّ ما يقرب من 27000 شخص لقوا حتفهم في البحر الأبيض المتوسط، ​​منذ عام 2014، بسبب سياسات الانسحاب الأوروبية وتجريم الإنقاذ في البحر.

إنّ إعلاء مصالح التونسيين والتونسيات، والحفاظ على كرامتهم/هنّ وكرامة مواطني القارّة الإفريقية يتطلّب، حتما، توفّر قدرة على الإنصات وإقامة حوار بنّاء مع التونسيين والتونسيات وغير التونسيين والتونسيات المعنيين والمعنيات مباشرة بهذه المسائل ومع مختلف الجمعيات التي تمثّلهم/هنّ، والجهات الاجتماعية الفاعلة، والمجتمع العلمي. ومثل هذا الحوار من شأنه أن يُفضي إلى عملية تفكير جماعية حول الحلول السياسية الكفيلة بوضع حدّ للنّظام الحالي القاتل للحدود، وتناول الهجرات من وجهة أنّها حق، وإثراء، ومكسب للجميع.

{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.singularReviewCountLabel }}
{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.pluralReviewCountLabel }}
{{ options.labels.newReviewButton }}
{{ userData.canReview.message }}

الاكثر قراءة

اخر الاصدارات

فايسبوك

تويتر