جهاز أمني اعتقل لاجئين سودانيين و أجبرهم على العمل تحت التعذيب ثم تركهم في الصحراء في ظل غياب حماية المفوضية

الصورة: رويترز ©
الصورة: رويترز ©

This post is also available in: الإنجليزية

“كنت اجلس على المقهى انتظر شخص لاستاجر منه شقة، توقف ميكروباص امامي .. سحبوني على القسم مع اثنين اخرين ثم اصطحبوني إلى مخزن لنقل صناديق لا اعلم ماذا تحتوي ثم تركوني في الصحراء…هددوني ان لا احكي او ابلغ عن ما حدث” يقول مالك، لاجيء سوداني.

وثقت إحدى المبادرات المعنية باللاجئين الأفارقة في مصر شهادات عدد من اللاجئين السودانيين المقيمين بمدينة نصر اختطافهم من قبل قوات أمن ترتدي زي رسمي واجبارهم على العمل في “مخزن” لم يستطيعوا الاستدلال على مكانه تحديدا، ثم تركهم في الصحراء، وذلك من خلال خمسة عشر شهادة لأشخاص تم الإتجار بهم ووضعهم قيد العمل القسري تحت الضرب والتهديد. 

“نفس الانتهاكات اللي  بسببها تركت السودان جينا لقينها نفسها اللي بتحصل هنا ويمكن دي واحده منها ” و “المفوضية بتماطل وتتباطأ  في تنفيذ مطالبنا، واذا بي اتفاجأ ان المسألة  توصل بيتنا”. يقول لاجئ ثاني لم يذكر اسمه.

وفي شهادته، يقول مالك: “تم القبض علينا – انا وخمسة أفراد – كنا نجلس في دار المجتمع في منطقة التبه (مكان يجتمع فيه اللاجئين)، جاء ميكروباص وبداخله أفراد من الشرطة بزي رسمي شتوي أسود اللون، دخلوا المكان واصطحبوني انا ومن معي وعندما سألتهم عما يحدث قالوا “فيه خير..اركب”. “ضغطوا علينا وهددونا حتى نخبرهم بمكان مقر اللاجئين في الكيلو ٤٫٥، اقتحموا المكان واعتقلوا كل اللي موجودين ومن ضمنهم مقرر اللجنة. أثناء مرورنا في الشوارع قاموا باعتقال آخرين ووضعوهم معنا داخل الميكروباص”.

يتم تعريف “العمل القسري” أنه شكل من أشكال الاتجار بالبشر وهو كل الأعمال أو الخدمات التي تُغتصب من أي شخص تحت التهديد بأية عقوبة ولم يتطوع هذا الشخص بأدائها بمحض اختياره. وتفيد شهادات اللاجئين بإنتهاك قوات أمن بزي رسمي لحقوقهم عدة مرات بالخطف والضرب وإجبارهم على العمل بدون أجر. وطبقا للدستور المصري في المادة (١٢)، لا يجوز إلزام أي مواطن بالعمل جبراً، إلا بمقتضى قانون، ولأداء خدمة عامة، لمدة محددة، وبمقابل عادل، ودون إخلال بالحقوق الأساسية للمكلفين بالعمل.

يذكر أن العديد من اللاجئين ينتقلون إلى مصر على أساس أنهم سوف يجدون الأمان، لكن الحقيقة أنهم يجدون عنف وعنصرية مؤسسية يطبعها المجتمع أيضا ومتروكين بلا حماية قانونية.

أبلغت وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية وموظفو مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشكل دائم في السنين الأخيرة عن حالات متعددة من إساءة معاملة واعتداءات ضد اللاجئين/ات والمهاجرين/ات، وخاصة النساء والأطفال. وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أبلغ اللاجئون عن تعرضهم للمضايقات والتحرش الجنسي والتمييز. واجهت النساء والفتيات اللاجئات، ولا سيما الأفارقة، أكبر مخاطر العنف المجتمعي الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

طبقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وتقارير صحفية، فقد زادت عمليات المداهمة الأمنية للشرطة علي الأحياء المعروفة بإيواء اللاجئين السوريين والسودانيين وغيرهم من اللاجئين الأفارقة، فضلاً عن المهاجرين، مما أدى إلى زيادة الاعتقالات. وأفاد محتجزون أن السلطات عرضتهم للشتائم ولظروف احتجاز سيئة. وفقا لآخر إحصائيات مفوضية اللاجئين في مصر، في ديسمبر ٢٠٢١، يوجد ٢٧١،١٠٢ لاجئ/ة مسجلين لدي مفوضية الأمم المتحدة في مصر، بينهم ٥٠،٦٦٥ من السودان و٢٠،٢٤٠ من جنوب السودان و٢٠،١٧٤ من إريتريا و١٥،٦٧١ من إثيوبيا و و٦،٧٧١ من الصومال.

وفي بيان صادر بتاريخ 15 نوفمبر 2021 من المتحدث باسم وزارة الخارجية، بعد لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، صرح بأن “الحكومة المصرية اتبعت نهجاً قائماً على احترام حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين بما يسمح بدمجهم في المجتمع المصري مع القضاء على أشكال التمييز كافة ضدهم”. فيما قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي يوهانسون حينها أن “مصر شريك يمكن الاعتماد عليه في قضايا الهجرة”.

يقول سوداني يبلغ من العمر ٦٣ عاما في شهادة أخرى: “أنا أساسا لدي مشكلة مع الأمن السوداني خصوصا بعد المشاكل التي تحدث في السودان … يتهموني بالتحريض لاني اساعد اللاجئين في مصر. في يوم جالي اربع اشخاص يقولون انهم امن تابعين للسفارة ومعاهم مصريين عرضوا لي  صور اناس  يتهمونهم  أنهم يحرضون علي المظاهرات في السودان … تركت البيت انا وعائلتي  وذهبت الى دار الاسرة ثم توجهت إلى القسم  لعمل محضر … ذهبت إلى  النيابة وأثناء عودتي حوالي الساعه 8 كان هناك ميكروباص يقف في الركن، قالولى: يا حج تعالي احنا عايزين التجمع بتاع السودانيين هنا، قولتلهم ليه؟، قالولي عايزين نتواصل معاهم، قولتلهم انا اصلا جاي من مشوار وتعبان، قالولي احنا “أمن الدولة” ولازم تتعاون معانا..انت جاي منين؟….

قولتلهم جاي من النيابة عشان فيه ناس هجموا عليا وحصل كذا كذا..وعندما رفضت الذهاب معهم  أخذوني بالقوة. لم استطع ان اقاوم، انا 63 سنة وتعبان ورجلي تعباني، شدوني جوا الميكروباص واتكسر احد اسناني. لموا ناس كتير تانية ولقينا نفسنا جوا مخازن وفيه مجموعة كبيرة جدا وفيه 3 ميكروباصات تانين وبيرصوا في كراتين، اجبروني اشيل معهم بالقوة…انا لولا الشباب اللي معايا دول مكنتش وصلت البيت انا قولت لنفسي انا هموت هنا”.

وفقا للمئات من التقارير الصحفية وتقارير منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، تقوم وكالة الأمن الوطني بعدد لا يحصي من مداهمات المنازل بدون تصريح والاعتقالات التعسفية والاخفاء القسري بحق المعارضين السياسين والمشتبه بهم وكذلك المواطنين العاديين، مع تمكنهم الإفلات من العقاب. ومن الشهادات المذكورة هنا، يضاف الي ما سبق مداهمة منازل اللاجئين واعتقالهم تعسفيا وإجبارهم علي العمل بدون أجر تحت وطأة التهديد والضرب.

في ٢٩ اكتوبر ٢٠٢٠، ألقي القبض على العشرات من اللاجئين والمهاجرين السودانيين بعد احتجاجات سلمية اندلعت علي إثر مقتل الطفل السوداني “محمد حسن“. احتج اللاجئين أمام مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمدينة 6 أكتوبر مطالبين بالعدالة والحماية والعمل لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان للاجئين الأفارقة في مصر. قامت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين بالعنف مستخدمين الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والضرب بالهراوات واعتقلت قوات الامن نحو 70 شخصاً، بينهم أطفال، وتعرض بعض المعتقلين للضرب والإهانة في حجز الشرطة. 

وفي مايو ٢٠٢٠، اعتقلت الشرطة المصرية ثلاثة سودانين تقطعت بهم السبل في القاهرة أثناء احتجاجهم أمام السفارة السودانية للمطالبة بتعجيل عودتهم إلى الخرطوم. وكان الثلاثة يشاركون في احتجاجات خارج السفارة تطالب حكومتهم بإعادتهم.

يضيف أحد اللاجئين: “اصطحبونا إلى مخازن كبيرة لـ نتفاجئ بوجود 2 ميكروباص آخرين أمامنا. ادخلونا الى مخزن واجبرونا على نقل كراتين وطوال الوقت كانوا يسبوننا ويضربونا حتى يجبرونا على العمل . استمر هذا الوضع  من حوالي 9 مساء ل 3 صباحا ثم جاء نفس  الميكروباصات اخذونا الى الصحراء وتركونا …. بدأنا نتعرف على الطريق ثم علمنا أنه محور المشير طنطاوي بالتجمع الخامس لكن مكان المخزن لا نعرفه بالضبط”.

أفاد المراقبون في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن “الإتجار بالبشر لعام 2021: مصر” أن اللاجئون والمهاجرون من الذكور معرضون لممارسات العمل الاستغلالية، بما في ذلك العمل الجبري. عمال المنازل الأجانب – غير المشمولين بقوانين العمل المصرية – بشكل أساسي من بنغلاديش وإريتريا وإثيوبيا وإندونيسيا والفلبين ونيجيريا والسودان وجنوب السودان وسريلانكا معرضون بشدة للعمل القسري؛ يطالبهم أرباب العمل أحيانًا بالعمل لساعات طويلة، ومصادرة جوازات سفرهم، وحجب أجورهم، وحرمانهم من الطعام والرعاية الطبية، وتعريضهم للإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي. يقدم بعض أصحاب العمل ادعاءات كاذبة بالسرقة لزيادة استغلال عاملات المنازل. ويُعرِّض المُتجِرون النساء والفتيات، بمن فيهم اللاجئون والمهاجرون من آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، للاتجار بالجنس في مصر.

ويقول جمال، لاجيء سوداني: الأمر حصل أكثر من مرة، تم اختطافي يوم 27- 12 ويوم 5-12 ويوم 2-1 من قبل رجال يرتدون زي أمني…أجبرت على العمل بنفس الطريقة بدون مقابل…أبلغت المفوضية واتصلت بقسم الحماية وارسلت ايميل ولم يتم الرد علي حتى الآن.

“ذهبنا الى  للمفوضية كي نبلغ، وجدناها أصبحت قسم شرطة وليست مكتب إنساني، المفوضية الآن محاطة بعدد كبير من عربات الشرطة وتم وضع سياج منيع من الحديد … كي يصل اللاجئ إلى الشباك ويعرض قضيته لابد ان يمر بكل هذا…هذه واحدة من المشاكل غير قادرين على إيصال  قضاينا ولا أحد يقدر على حمايتنا”، شهادة أحد اللاجئين الذين ذهبوا للإبلاغ عن انتهاك حقه وإجباره على العمل بدون مقابل وأيضا للمطالبة بالحماية.

يضيف: “بعد ضغط ومفاوضات مع الشرطة  سمحوا بدخول واحد منا للمفوضية وقابل موظف وعرض عليه ما حدث ولم يتمكن أحد من حل مشكلتنا”.

وفي شهادة أخرى من عبدالعزيز،لاجئ أفريقي: “لقيت ميكروباص موقفني وبيقولي اركب، بسالهم ايه اللي حصل، قال الي اركب، قولتلهم عايز اعرف فيه ايه، ركبوني بالقوة، ودونا مخازن ولقيت حوالي عشرين واحد هناك، حتى تليفوناتنا اخدوها مننا، كان الجو بارد وكان معنا كبار في السن ولم يوجد حتى ما يستدفئون به، ودي مش اول مره تحصل، كل مره بتحصل مواقف شبه دي هنا في الكيلو 4.5 ويجوا ياخدوا الناس يشغلوهم”. ووصف عبدالعزيز وضع اللاجئين “انت بتبقي ماشي بتنضرب في الشارع، وبتنضرب من الحكومة، ولما روحنا لمفوضية اللاجئين، لقيناهم قسم شرطة”.

وفي نفس السياق يوضح أحد القيادات المجتمعية السودانية: “الحملات الأمنية التي تستهدف المناطق التي يعيش فيها اللاجئين الأفارقة مستمرة دائما، مثل ما يحدث في منطقة الكيلو أربعه ونص، نقوم كقادة مجتمعيين بإرسال شكاوى الى المفوضية – يقصد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مكتب مصر- ولكن المفوضية ترد بأنهم سوف يقومون بالمتابعة ولكن لا يصلنا رد لأي من الشكاوى أو البلاغات التي نقوم بتقديمها سواء في حالات الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء أو الإعتداءات الجسدية والجنسية وحتى طلبات الحصول على الخدمات الأساسية”، ويوضح “إن تجاهل المفوضية للطلبات التي نقدمها لهم بخصوص الإنتهاكات التي تواجه اللاجئين يضعنا في مواجهة صعبة مع أبناء مجتمعاتنا الذين يرون أن القيادات المجتمعية لديها القرار في حل مشاكلهم، ولكن في الحقيقة ليس بيدنا سوى التواصل مع المفوضية”.

Post Scan this QR code to read on your mobile device QR Code for جهاز أمني اعتقل لاجئين سودانيين و أجبرهم على العمل تحت التعذيب ثم تركهم في الصحراء في ظل غياب حماية المفوضية
Facebook
Twitter
LinkedIn