حماية حقوق اللاجئين/ات والأشخاص المتنقلين.. يجب أن تكون أولوية على أجندة الشراكة المصرية الأوروبية

حماية حقوق اللاجئين/ات والأشخاص المتنقلين.. يجب أن تكون أولوية على أجندة الشراكة المصرية الأوروبية

صادر عن: منصة اللاجئين في مصر
التاريخ: 22 أكتوبر 2025

تتابع “منصة اللاجئين في مصر” عقد القمة الأوروبية – المصرية رفيعة المستوى في بروكسل اليوم 22 أكتوبر/ الأول 2025، التي تأتي استمرارًا لمسار الشراكة الإستراتيجية الشاملة المعلنة في مارس/آذار 2024 بين الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية.

تمثل هذه الشراكة أحدث حلقة في سلسلة اتفاقيات ممتدة منذ توقيع اتفاقية الشراكة الأساسية في يونيو/حزيران 2001 ودخولها حيز التنفيذ عام 2004، وتبنِّي خطة عمل سياسة الجوار عام 2007، مرورا باتفاقيات الشراكة في ما تُسمى “حوكمة الهجرة والسيطرة على الحدود” من 2017 وحتى الآن، وصولًا إلى إعلان “الشراكة الإستراتيجية الشاملة” عام 2024، المتضمنة حزمة مالية بلغت 7.4 مليارات يورو للفترة 2024-2027، منها 4 مليارات كمساعدات مالية كلية (قروض) و1.8 مليار استثمارات إضافية و600 مليون يورو منح منها 200 مليون مخصصة لإدارة ملف الهجرة. وقد تم الإعلان مؤخرًا عن توقيع اتفاقيات جديدة ضمن الشريحة الثانية من الحزمة بقيمة 4 مليارات يورو خلال القمة المرتقبة.​

ورغم أن هذا التعاون يُقدَّم في الخطاب الأوروبي الرسمي باعتباره “دعمًا للاستقرار والتنمية”، فإن واقعه الفعلي هو تمويل لآليات القمع وانتهاك حقوق الإنسان سواء للمواطنين المصريين أو غير المصريين المقيمين في مصر “اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين”، وهي الأسباب التي تدفع الأشخاص لمزيد من الحركة والهجرة بمخاطر أعلى على حياتهم وحرياتهم، في مفارقة لتأثير نظريات تخارج الحدود، من عسكرة الحدود لدى دول الجوار إلى التهرب من المسؤولية تجاه الأشخاص المتنقلين والفارين من الحروب، وما يتكبدوه من أرواح تُزهق في رحلة البحث عن ملاذ آمن، في مقايِضَة المال بالدعم السياسي والأمني، إذ تغض أوروبا الطرف عن سجل واسع من الانتهاكات الجسيمة داخل مصر، بينما يقبل النظام المصري بدور الحارس للحدود.

إن هذا التواطؤ المؤسسي يحوّل المساعدات إلى مكافأة على استمرار القمع، لا إلى أداة لتعزيز الإصلاح أو احترام القانون.

تشهد مصر أوسع نطاق من الانتهاكات الحقوقية خلال العقد الأخير، تشمل الاعتقال التعسفي لعشرات الآلاف من المعارضين، وتجريم التعبير السلمي، وإغلاق الفضاء العام وتقييد حق التنظيم. كما تتوسع الإحالة إلى المحاكم الاستثنائية، واستخدام النيابة العامة وأجهزة أمن الدولة في ملاحقة النشطاء والسياسيين، فيما تُنتهك ضمانات المحاكمة العادلة على نطاق واسع.

بالإضافة إلى ذلك، يختفي مواطنون قسرًا لأسابيع أو شهور أو لسنوات، وتضم القائمة شخصيات عامة، وبينما ينتشر التعذيب على نطاق واسع ومنهجي داخل المؤسسات الأمنية، يعاني المسجونون من المعاملة المهينة في أماكن الاحتجاز التي تفتقر إلى المعايير الدنيا للكرامة الإنسانية.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه القمة تأتي بعد أقل من شهر من انتخابات مجلس الشيوخ، التي جرت في مناخ سياسي وأمني مغلق مع غياب إحصائيات موثوقة لنسبة المشاركة التصويتية، وأسفرت عن مجلس يخضع بالكامل لسيطرة السلطة، كما هو الحال في جميع الانتخابات منذ تولي السيسي الحكم. ويُتوقع أن يتكرر المشهد نفسه في انتخابات مجلس النواب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، التي تُعد الأهم في هذه المرحلة، إذ إنها ستشكّل برلمان الولاية الأخيرة للسيسي بحسب الدستور الحالي، وقد تُستخدم كمدخل لتعديل دستوري جديد يتيح له البقاء في السلطة.

بينما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فقد فاقمت السياسات التسلطية وإدارتها الفاشلة للاقتصاد من معدلات الفقر والتهميش.

أما بالنسبة للاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين، فقد تحولت السياسات المصرية -الممولة أوروبيًّا- إلى منظومة ردع جماعية قاتلة، فبدلًا من توفير الحماية، تُغلق الحدود في وجه الفارين من الحروب ويُجبرون على سلوك طرق صحراوية قاتلة، وقد وثَّقت التحقيقات الصحفية والتقارير الحقوقية أن الفارين من الحرب والكارثة الإنسانية في السودان عبر المسارات غير النظامية إلى مصر، تحتجزهم قوات حرس الحدود المصرية -الممولة أوروبيًّا- داخل مقرات احتجاز غير رسمية، وسط حرمان من التواصل أو الحصول على محامٍ، في ظروف غير إنسانية وغالبًا ما يُجبرون على توقيع وثائق “عودة طوعية” قسرية، في عملية دفع جماعي للخلف لمنطقة حرب، وقد وثقت المنظمات الحقوقية عملية إعادة لأكثر من 20 ألف سوداني، من بينهم أطفال ونساء ومرضى، محدثة بذلك انفصالًا أسريًّا لمئات العائلات.

بينما تستمر المعاناة من طول إجراءات التسجيل وتحديد الوضع واستخراج تصاريح الإقامة، تتفاقم مخاطر التوقيف والاحتجاز والترحيل المتصاعدة في محافظات مصر، ويُحرم الأشخاص المتنقلون من الوصول إلى الخدمات الأساسية بما في ذلك (الصحة، والتعليم، والوصول إلى خدمات الاتصالات، والتقدم لطلبات الدعم من منظمات المجتمع المدني)، ومع تصاعد وتيرة الاعتداءات الجسدية والجنسية وخطابات الكراهية في السنوات الأخيرة، تُحرم اللاجئات من الوصول إلى نظام العدالة بسبب فجوة التوثيق.

وفي تواصل للسياسات الأمنية، جاء قانون اللجوء الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2024 مضعفًا من استقلال منظومة الحماية واستبدلها بلجان أمنية تحت إشراف الحكومة، الذي ساهمت في تصميمه وكالة اللجوء الأوروبية.

تُفرِّغ نصوص القانون الحماية الممنوحة للاجئ بعد البت في طلبه من أي معنى حقيقي. النصوص نفسها لجأت إلى استخدام مصطلحات فضفاضة لتقييد حق اللجوء أو رفضه، كما نَحَتْ النصوص إلى تجريم اللجوء في الحالات التي يصل فيها ملتمسو اللجوء إلى الأراضي المصرية بطريقة غير منظمة، وهو ما شهدته مصر في العامين الأخيرين مع الحروب المشتعلة على حدودها الشرقية والجنوبية، بل وتجرِّم المواطنين على مساعدة اللاجئين والقيام بأفعال إنسانية مثل إيواء لاجئ دون إخطار السلطات، وذلك دون أي سند قانوني أو دستوري لمثل هذا التجريم.

أدَّت القيود التي حفلت بها نصوص القانون إلى إرسال سبعة من مقرري مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة رسالة مشتركة إلى الحكومة المصرية حملت تحفظات عميقة وتعليقات مفصلة بشأن قانون، فضلًا عن تعليقات للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على قانون اللجوء، نشرتها في يوليو/تموز الماضي، معربة عن “قلقها من المواد التي تفرض جزاءات على بعض الأفعال في القانون، والتي تبدو غير متسقة مع القانون الدولي للاجئين”.

كما يواجه المهاجرون الأفارقة والعمال القادمون من دول الجوار قيودًا مشددة على العمل، وأنماطًا ممنهجة من التمييز والعنف، تشمل الاعتداءات الجسدية والاحتجاز التعسفي على خلفيات عنصرية دون محاسبة فعلية ودون إطار حماية، في إطار متصل للسياسات التي اعتمدت التجريم والأمننة بدلًا من الحماية وضمان الوصول إلى الحقوق.

استمرار الدعم الأوروبي غير المشروط للحكومة المصرية يجعل الاتحاد الأوروبي شريكًا مباشرًا في هذا الواقع، ويقوِّض التزامه المعلن بحماية حقوق الإنسان في سياساته الخارجية. إن تحويل مصر إلى “منطقة حجز جماعي” للمهاجرين واللاجئين عبر تمويلٍ أمني غير خاضع للمساءلة يتنافى مع مبدأ عدم الإعادة القسرية والالتزامات الدولية تجاه طالبي الحماية، وإن القبول بدور الحارس على حساب حقوق الأشخاص المتنقلين يتنافى مع التزامات مصر الدولية ومع مكانتها التاريخية كبلد لجوء أو عبور.

تؤكد منصة اللاجئين في مصر أن أي شراكة حقيقية لا تُبنى على تبادل المنافع الأمنية بل على احترام الكرامة الإنسانية وحماية الحقوق الأساسية.

على أطراف الشراكة العمل على:

  • ربط جميع أشكال التعاون بآلية رقابة صارمة على حقوق الإنسان واحترام سيادة القانوني، تكون واضحة ومتاحة للعامة، بمشاركة المجتمع المدني المصري والدولي المستقل وليس فقط القنوات الرسمية.
  • تجميد جميع التمويلات والتعاونات المرتبطة بـ”حوكمة الهجرة والسيطرة على الحدود” إلى أن يكون هناك تمكين من آلية رصد وتوثيق وتحقق شفافة ومستقلة من الطرفين، لضمان الالتزام بالقوانين المحلية والالتزامات الدولية، وإجراء تحسينات حقيقية لحماية حقوق الإنسان واستقرار حياة اللاجئين.
  • على الاتحاد الأوروبي توفير الحماية للفارين من العنف بكل أشكاله، وسحب تسمية “الدولة الآمنة” من مصر فيما يتعلق بعمليات الإعادة، حتى توفر الدولة حماية ملموسة وقائمة على الحقوق وسبل انتصاف فعالة لجميع النازحين والمعادين والعائدين، تحت آلية رقابة وتدقيق مستقلة.
  • ضمان حرية واستقلال المجتمع المدني والإعلام والصحافة والتوقف عن استهداف منظمات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، والتوقف عن حجب المواقع الإلكترونية.
  • وقف تجريم الأشخاص المتنقلين في مصر، والوقف الفوري لكل أشكال الترحيل القسري للاجئين وملتمسي اللجوء إلى مناطق يُخشى عليهم من خطر الانتهاكات فيها.
  • تسهيل عملية التسجيل وطلب اللجوء وإتاحتها لكل الأشخاص المتنقلين في مصر دون تمييز، وضمان الوصول الفوري إلى الخدمات الرئيسية والحقوق الأساسية.
  • إعادة مناقشة القوانين المصرية المرتبطة بالهجرة واللجوء، بما يشمل قانون اللجوء الأخير المخالف للالتزامات الدولية، وقانون مكافحة الهجرة غير الشرعية رقم 82 لسنة 2016 وتعديلاته، والقرار رقم 444 الخاص بالمناطق المتاخمة للحدود، وذلك بمشاركة أصحاب المصلحة من المجتمعات المستهدفة والخبراء ومنظمات المجتمع المدني.
  •  إعطاء الأولوية لتوجيه الدعم للمنظمات التي يقودها اللاجئون، ودعم ظروف الحماية، وتقديم المساعدة القانونية، والخدمات الإنسانية، وليس للتمويل الحكومي المباشر أو البرامج المتواطئة في الانتهاكات.
  • توسيع نطاق الإجلاء وإعادة التوطين ومسارات التأشيرات الإنسانية لضمان خيارات آمنة ومنتظمة للمعرضين لخطر الاحتجاز أو الترحيل أو العنف.

إن الاستقرار لا يتحقق بالقمع والتمويل الخارجي، بل بسيادة القانون، والعدالة، والحرية.

Edition Scan this QR code to read on your mobile device QR Code for حماية حقوق اللاجئين/ات والأشخاص المتنقلين.. يجب أن تكون أولوية على أجندة الشراكة المصرية الأوروبية
Facebook
Twitter
LinkedIn