Search
Close this search box.
بيانات

بقيمة مليارات: مضاعفات لشراكة فاشلة وقاتلة بين الاتحاد الأوروبي ونظام السيسي الديكتاتوري

الصورة: رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى جانب رئيس الوزراء المصري، مصطفي مدبولي. سيمون ماينا/وكالة الأنباء الفرنسية عبر غيتي إيمجز
الصورة: رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى جانب رئيس الوزراء المصري، مصطفي مدبولي. سيمون ماينا/وكالة الأنباء الفرنسية عبر غيتي إيمجز

فريق عمل منصة اللاجئين في مصر

منصة رقمية مستقلة تهدف لخدمة اللاجئين واللاجئات.

بيان موقف من “منصة اللاجئين في مصر” قبيل زيارة رؤساء وزراء كل من بلجيكا، ألكسندر دي كرو، واليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وإيطاليا، جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين إلى مصر الأحد ١٧ مارس/آذار بهدف تعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر في مجالات عدة على رأسها “الحد من الهجرة”.

يوم الأحد ١٧ مارس/آذار، ستسافر رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين إلى مصر بجانب رؤساء وزراء كل من بلجيكا، ألكسندر دي كرو، واليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، وإيطاليا، جورجيا ميلوني، لاستكمال المحادثات مع الرئيس الاستبدادي لمصر، عبد الفتاح السيسي حول صفقة قد تجلب أموالا بقيمة 7.4 مليارات يورو للبلاد تحت إطار “دعم اقتصاد البلاد والحد من الهجرة”، بحسب صحيفة فاينانشال تايمز.

بحلول بداية فبراير/ شباط الماضي، أبلغ المفوض الأوروبي للجوار والتوسع، أوليفر فارهيلي، سامح شكري، وزير الخارجية المصري بإقرار الاتحاد الأوروبي دفع أموال إضافية لمصر عبر اتصال هاتفي، وكانت قد نوقشت بعض تفاصيل الصفقة في بروكسل في يناير/ كانون الثاني الماضي خلال الاجتماع العاشر لمجلس الشراكة بين الشريكين.

الصفقة المرتقبة التى قد يتم الإعلان عنها في القاهرة هي الأحدث في سلسلة من اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع دول شمال إفريقيا لتقديم التمويلات والدعم السياسي مقابل قمع حرية الحركة، ويقول الاتحاد الأوروبي إن الشراكة الإستراتيجية مع مصر مبنية على ست ركائز من “المصلحة المشتركة”، كما أوضحها فارهيلي ووزير الخارجية المصري سامح شكري في ٢٣ يناير/كانون الثاني. وتشمل هذه الركائز (العلاقات السياسية، والاستقرار الاقتصادي، والاستثمارات والتجارة، والهجرة والتنقل والأمن والديموغرافيا مع التركيز بشكل خاص على التعاون في مجال الطاقة).

من حيث الأرقام المعنية بالتمويل والأهداف المعلنة، فإنها تشكل أمثلة نموذجية للاتفاقيات الإستراتيجية التي تهدف إلى خلق شركاء تجاريين يعملون بالوكالة في دول شمال إفريقيا (وخاصة مصر) ودفع الأموال مقابل قمع حرية الحركة للمهاجرين والمهاجرات وتوسعا جديدا في سياسات تمديد الحدود الأوروبية نحو جنوب المتوسط وإفريقيا. ويتم تقديم كل هذا تحت ستار دعم الاتحاد الأوروبي لتنمية هذه الدول، باستخدام لغة دعائية قصيرة النظر تركز بشكل ضيق على “مكافحة الهجرة غير النظامية” أو “الحد من الهجرة” أو ” التحكم في الحدود”.

إشكالية الهجرة غير النظامية في مصر

ما تتجاهله الدول التي تعقد شراكات أو تمول النظام المصري بشأن الاستقرار الاقتصادي أو الهجرة والحدود، أن السياسات المصرية هي أكبر محفِّز لسعي المصريين إلى الهرب من الجحيم السياسي والاقتصادي الذي صنعه النظام الحالي، من قمع لحرية الرأي والتعبير واستهداف مكونات المجتمع المدني بإجراءات أمنية وانتهاكات خطيرة لحقت بالنشطاء والسياسيين والصحفيين وتوسعت لتصبح هذه الانتهاكات هي نمط وسياسة عمل الأجهزة الأمنية في مصر، والتحكم في المنافذ الإعلامية، وتشريع القوانين التي تدعم التستر على الجرائم وإفلات المجرمين من المساءلة والعقاب، وصولا إلى تدخل المؤسسات العسكرية والحكومية في جميع القطاعات الإنتاجية المصرية وتعطل العملية الإنتاجية وحصر الإنفاق في مشروعات لا تسهم في تعظيم الدخل القومي للبلاد، ما أدى إلى اضطرابات في سوق العمل وخلق حالة من انعدام الأمل والخوف لدى الشارع المصري دفع الشباب إلى التحرك بحثا عن حياة ومستقبل أفضل.

في المقابل فإن السلطات المصرية خلال السنوات الماضية وبفضل التمويلات الأوروبية في مجال “التحكم في حركة الهجرة والسيطرة على الحدود” اعتمدت وطبقت منهجيات ذات أبعاد وخلفية أمنية على مستوى السياسات والممارسات، اعتمدت على التجريم وتشديد العقوبات وعسكرة الحدود وقمع المجتمع المدني العامل في مجال الهجرة واستهداف المجتمعات المحلية الحدودية، تسبب في رفع وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان على الحدود وداخل المدن بشكل غير مسبوق تحت إطار “مكافحة الهجرة غير النظامية” دون أي فرصة للمساءلة والمحاسبة على الجرائم المرتكبة في هذا الإطار من موظفي الدولة، وتشمل “الإخفاء القسري، والتعذيب، والاحتجاز في مقرات احتجاز سيئة للغاية، وانتهاكات مستمرة لشروط المحاكمات العادلة”، ودون حماية قانونية أو سبل للعدالة للضحايا والناجين/ات في قضايا الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر.

هذه الحالة التي صنعها النظام المصري وكرس لها على مدار السنوات الماضية أدت إلى تزايد معدلات الشباب وصغار السن الراغبين في الهروب منها، كما أن الاستجابة التي اعتمدت دائما حلولا أمنية رفعت كلفة هذه الحركة على حياة وحقوق الأشخاص المتنقلين بينما لم تعالج الإشكالية الحقيقية، ويدلل على هذا ملاحظة المنظمة الدولية للهجرة حول زيادة تدفقات المهاجرين من مصر إلى ليبيا (عام 2022) إذ يصل ما يقرب من 10 آلاف مصري ومواطنين آخرين يعبرون شهريا، بما في ذلك القصر غير المصحوبين بذويهم.

ومن جهة أخرى لا يمكن عزل هذا التدخل الأوروبي عن تصاعد موجات الكراهية ضد الأجانب واللاجئين/ات، التي تحولت إلى حملات منظمة تتصاعد ويتبناها صناع القرار في البلاد ويتم استخدامها لمزيد من المفاوضات والدعم وتمرير الاتفاقات الأوروبية والقرارات المصرية المرتبطة، ما يلقي بظلال الشك على تعمد تجاهل أوروبا للسياسات القمعية، وتعزيزها في الوقت ذاته بالدعم الأمني والمالي بهدف عسكرة الحدود الجنوبية لأوروبا، ما يجعل التدخلات المالية للاتحاد الأوروبي وغيره شريكة في هذه السياسات الصانعة للأزمة، وشديدة الانتهاك لحقوق الإنسان.

ومن الجدير بالذكر القول الصريح لوزير الخارجية المصري سامح شكري “إن دفاع مصر أمر حيوي بالنسبة لأوروبا، خاصة فيما يتعلق بمنع الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط. ومنذ 2016 تمكنت البحرية المصرية من منع انطلاق قوارب مهاجرين باتجاه أوروبا، وهو ما يعتبر أمرا مهما بالنسبة لشركاء مصر الأوروبيين”، وذلك في معرض رده على نية ألمانيا تقييد مبيعات الأسلحة لمصر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

تأثير الشراكة والتمويلات الحالية بين الاتحاد الأوروبي ومصر بشأن الهجرة والحدود

على مدار العقد الذي يحكمه السيسي، نجحت أوروبا في تقليص خروج المهاجرين غير النظاميين من الأراضي المصرية عبر شراكات أمنية متينة مع مصر، لكنها لم تكترث بطريقة قمع عملية الهجرة، ولا منع أسبابها كما لم تمنع خروج المصريين؛ بل نجحت في تحويل مسار خروجهم عبر دول أخرى وأخطر كما سبق، فكانت الشراكة الأوروبية مع مصر معزِّزة لانتهاكات حقوق الإنسان وغير مانعة لقوارب المهاجرين/ات على السواء.

ساهم تمويل الاتحاد الأوروبي لمصر في مجال الحدود والهجرة وفرض أجندته بتمديد الحدود والتركيز على عسكرتها، في المزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر. وهذا بشكل رئيسي لأن السلطات المصرية من جيش وشرطة وجهات إنفاذ القانون تحت سلطة النظام الحالي أصبحت قمعية بشكل غير مسبوق ولا توجد آليات قائمة لضمان عدم وقوع الانتهاكات أو محاسبة المسؤولين عنها في حال حدوثها وتحقيق العدالة.

أصدرت “منصة اللاجئين في مصر” ورقة موقف في يونيو/ حزيران عام 2022 قبل توقيع الاتحاد الأوروبي قرارا بتمويل خفر السواحل المصري بقيمة (80 مليون يورو)، وناقشت الورقة مخاوف حقوق الإنسان، والإخفاق المتعاقب في عمليات البحث والإنقاذ وتوفير الحماية اللازمة للمهاجرين/ات واللاجئين/ات سواء على الحدود (البحرية أو البرية) أو داخل البلاد.

الملاحظ أن المساعدات الدولية لمصر في ملف الهجرة واللجوء تتزامن مع عمليات تشديد مصرية، تؤدي إلى حركة هجرة غير نظامية بمخاطر عالية، وهو ما حدث في الحالة السودانية، إذ خصص الاتحاد الأوروبي 25 مليون يورو إجمالي المساعدات الإنسانية، لمساعدة اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء الأكثر ضعفًا في مصر، ويغطي التمويل الإنساني للاتحاد الأوروبي قطاعين رئيسيين: التعليم في حالات الطوارئ والاحتياجات الأساسية من الغذاء والمياه والصرف الصحي ومواد النظافة، لكن مصر كانت قد اتجهت إلى تشديد إجراءات دخول السودانيين، حتى من الذين كان يُسمح بدخولهم وفقا لاتفاق الحقوق الأربعة، ما عزز من حركة الهجرة غير النظامية، بما تحمله من مخاطر السرقة والابتزاز والموت.

أكاذيب رسمية من النظام المصري حول أعداد وتكلفة استضافة اللاجئين/ات للحصول على الأموال

تكرر في الآونة الأخيرة إعلان مسؤولين حكوميين أن أعداد اللاجئين في مصر تبلغ 9 ملايين لاجئ/ة، وهو الرقم الذي لم تذكر السلطات المصرية كيفية إحصائه أو تعريفها لمن تصفهم باللاجئين، وسبق أن أوضحت “منصة اللاجئين في مصر” أن عملية تسجيل اللاجئين وملتمسي اللجوء في مصر تتم من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فقط وذلك بناء على مذكرة التفاهم المبرمة بين الحكومة المصرية والمفوضية عام 1954، وعليه فهي الجهة المخولة بإعلان أعداد المسجلين لديها، وفي أحدث تقرير إحصائي من قبلها في 29 فبراير/ شباط 2024 أعلنت المفوضية أن مصر تستضيف أكثر من 539 ألف من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين من 62 دولة، منهم 267,227 لاجئا من السودان و155,825 من سوريا و40,346 من جنوب السودان و34,078 من إريتريا، و17,884 من إثيوبيا، و24,596 من جنسيات أخرى.

الملاحظ أن هناك فارقا شاسعا بين ما تحصيه المفوضية، وما يعلنه المسؤولون المصريون، وإذا وضعنا في الاعتبار الربط المصري الدائم بين قضية اللاجئين/ات والمساعدات المالية، فربما يفسر ذلك الرغبة في تعظيم أعداد ما يسميهم النظام بـ”اللاجئين”، والمرجح أن النظام المصري يقوم بإعلان أعداد تضم الأجانب المقيمين في مصر بصورة قانونية وتضمهم مع أعداد اللاجئين المسجلين، وهناك فوارق من الناحية القانونية والإدارية في التعامل مع الأجنبي، واللاجئ/ة أو طالب/ة اللجوء.

المزيد من تمديد الحدود الأوروبية القاتلة في شمال إفريقيا

إن اتفاقيات “الحد من الهجرة” التي يبرمها الاتحاد الأوروبي مع دول ثالثة، حتى لو كان جادًا فيها بشأن ضمان الامتثال لحقوق الإنسان، فقد أظهرت الاتفاقيات الحالية أن الاتحاد الأوروبي ليس لديه أدوات لفرض ذلك أو مراقبته باستقلالية أو تقييمه.

في السنوات الأخيرة تحول نهج الاتحاد الأوروبي الذي كان متوازنا إلى حد ما فيما يتعلق بالمسؤولية إلى الموقف العنصري في سياسته تجاه دول الجنوب العالمي والتخلي عن المسؤولية الحقوقية والأخلاقية وبشكل حصري شرع في بناء قلعة أوروبا وتمديد حدودها عبر تمويل أنظمة قمعية، كما في ليبيا ومصر على سبيل المثال.

بل الأكثر من ذلك والمشين أنها ساهمت في تفاقم الأسباب الجذرية للهجرة من تلك البلاد ودفع الناس إلى رحلات أكثر خطورة متسببة في عدد لا يحصى من الوفيات وانتهاكات حقوق الإنسان، وفشلت -على الرغم من مليارات اليورو التي تنفقها- في تحقيق أهدافها المعلنة من الحد من الهجرة أو تنمية استقرار البلدان الشريكة.

وعقب اتفاق شراكة إستراتيجية أوروبي-تونسي بشأن الاقتصاد بهدف “تعزيز جهود وقف الهجرة غير النظامية” في يوليو/ تموز عام 2023 قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الاتفاق يمكن أن يكون نموذجا لدول أخرى، رغم الإخفاقات التونسية اللاحقة في ضبط الحدود، ويبدو أن مصر لم تكن بعيدة مرة أخرى، فمع العدوان العسكري على قطاع غزة قرر الاتحاد الأوروبي تعجيل دعم مالي لمصر بقيمة 10 مليارات يورو، فضلا عن استثمارات بتسعة مليارات يورو، وتأتي الزيارة المرتقبة في هذا السياق التحفيزي لنظام استبدادي على المستوى المحلي، كما هو استبدادي في تعاملاته مع اللاجئين/ات داخل مصر، سواء بحملات الاعتقال أو الترحيل أو الهجمات العنصرية على اللاجئين/ات، وهو ما توثقه “منصة اللاجئين” باستمرار.

تدعو “منصة اللاجئين في مصر” الاتحاد الأوروبي إلى:

  1. إجراء عمليات مساءلة خاصة بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب المصري والتركيز على ملف حقوق الإنسان في التعامل مع المهاجرين/ات واللاجئين/ات بدءا من اللحظة التي يصبحون فيها تحت ولاية السلطات المصرية، ومسائل الحماية وما يتعلق بكفاءة عمليات إنقاذ المهاجرين/ات.
  2. عمل تقييم مسبق لجدوى الاتفاقيات المستقبلية.
  3. عمل تقييم مع كل مرحلة من مراحل تطبيق هذه الاتفاقيات، ومشاركة هذه التقييمات مع الرأي العام والفاعلين.
  4. وضع أولوية لتقارير منظمات حقوق الإنسان والمجموعات العاملة في هذا الصدد أثناء عمليات المفاوضات والتنفيذ والتقييم والموافقة.
  5. التوقف عن إخفاء المعلومات حول هذه الاتفاقيات التي يشتبه تورط تنفيذها في جرائم وانتهاكات.

 

كما ندعو السلطات المصرية إلى عرض الاتفاقيات المرتقبة على متخصصين ومتخصصات بما يشمل جميع التفاصيل المتعلقة بها، وفتح حوار يشمل المجتمعات المستهدَفة بالاتفاقيات.

وتجدد “منصة اللاجئين في مصر” تحذيراتها من اتفاقيات الشراكة التي يعقدها الاتحاد الأوروبي مع الأنظمة الاستبدادية في جنوب المتوسط، وهي الأنظمة التي لن تضمن أمن محيطها ما دامت منفردة بقرار الحكم دون مشاركة سياسية، كما سيستمر الإخفاق الاقتصادي دافعا إلى الهرب من جحيم تردي الأوضاع، وستظل تلك الأنظمة تستخدم ملفات الهجرة واللجوء كأوراق ضغط على أوروبا لجلب الأموال، وستفتح الحدود في الوقت الذي تبدي فيه أوروبا بعض التعنت أمام مطالبها اللا نهائية نتيجة الفشل الإداري والاستبددا، ولن تفلح المسكِّنات المالية في إبعاد الاتحاد الأوروبي من مخاطر تبعات هذه السياسات الخطيرة إذا استمرت السياسيات المحلية في دفع شعوب المنطقة إليه.

{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.singularReviewCountLabel }}
{{ reviewsTotal }}{{ options.labels.pluralReviewCountLabel }}
{{ options.labels.newReviewButton }}
{{ userData.canReview.message }}

الاكثر قراءة

اخر الاصدارات

فايسبوك

تويتر