هل التزمت مصر بضمان إصلاح تشريعي للاجئين يتماشى مع المعايير الدولية؟
في ظل تقرير “منصة اللاجئين في مصر” حول الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مصر
في يوليو/تموز 2024 تقدمت “منصة اللاجئين في مصر” بتقريرها المشترك مع منصة الهجرة وحقوق الإنسان خلال الاستعراض الدوري الشامل الرابع لمصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تضمن التقرير العديد من تقارير الحالة والتوصيات التي كان من بينها الدعوة لـ”إصلاحات تشريعية” لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين في مصر، بشكل يعكس التزاماتها الدولية تجاه الفئات الأكثر ضعفا وتعرضا للخطر.
في ضوء حملتها للتوعية خلال فترة الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مصر، تنشر منصة اللاجئين هذه الورقة والتي تستعرض من خلالها: (التوصية المقدمة في هذا الصدد، وتحلل سبب التوصية بها، ثم تنتقل لتوضيح التطورات التشريعية والإجرائية ما بين وقت تقديم التقرير وجلسة العرض الدوري المقررة هذا الشهر)
كانت من بين توصيات التقرير المشترك للسلطات المصرية:
الإصلاحات التشريعية:
- سن تشريع شامل للاجئين يتماشى مع المعايير الدولية: توفير تعاريف واضحة وأوجه حماية واضحة. تعديل القوانين لضمان عدم تجريم اللاجئين وطالبي اللجوء في حال دخولهم بطريقة غير نظامية وضمان حصولهم على إجراءات قانونية عادلة.
- تعديل القوانين لتشمل حماية شاملة ضد خطاب الكراهية والتمييز العنصري: ضمان إدراج التعريفات القانونية والحماية القانونية للاجئين في التشريعات الوطنية.
- إضافة إطار حماية واضح إلى المرسوم الرئاسي رقم 444 لعام 2014 والقانون رقم 82 لعام 2016 وتعديلاتهما.
لماذا تقدمت منصة اللاجئين في مصر بهذه التوصية؟
وثقت منصة اللاجئين على مدار الأربع سنوات الماضية، وقبلها من خلال ما قدمته تقارير الجهات الأممية والمنظمات الحكومية، انتهاكات وإجراءات مرهقة يواجهها اللاجئون عادة في جميع مناحي حياتهم اليومية، شمل ذلك:
على الحدود، تأثرت طرق الهجرة بالعسكرة التي فرضتها السلطات المصرية على الحدود البرية تبعًا لقرار 444 رئيس الجمهورية لسنة 2014، إذ زادت المخاطر التي وصلت إلى حد الموت والاستغلال للمهاجرين ورفعت من معدلات المخاطر التي يواجهها الأشخاص المتنقلين عادة، وتعرض الأشخاص لعمليات صد عنيفة، بينما تم توثيق تعرض الأشخاص لانتهاكات من قوات حرس الحدود المصرية شملت التعذيب والإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي والاحتجاز في مقرات احتجاز غير قانونية، والمحاكمات العسكرية للاجئين، بينما توسع التعديل في القرار رقم 420 لسنة 2021 في عمليات العسكرة، لم يفرض التعديل أي ضمانات تتعلق بشروط الحماية الأساسية في سياق اللجوء والتماسه، أو طرق تقديم التماس اللجوء أو توصيل المقبوض عليهم بمؤسسات توفر خدمات للاجئين مثل مكتب المفوضية السامية لشئون اللاجئين.
لقد تسبب القرار 444 في سلسلة لم تنتهِ من الانتهاكات بحق المدنيين من المهاجرين/ات والسكان المحليين، إذ تشير بيانات قوات حرس الحدود المصرية الدورية في الفترة من يناير/كانون الأول 2017 إلى ديسمبر/كانون الثاني 2021، إلى أنه تم ضبط ما يزيد عن 90 ألف شخص من جنسيات مختلفة في عمليات هجرة غير نظامية على المحاور الحدودية المصرية دون توضيح الإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها بحقهم بعد عمليات الضبط أو أي معلومات حول جنسياتهم أو أعمارهم أو أجناسهم أو إجراءات الحماية المتخذة مع الضحايا أو كيفية التعامل مع ملتمسي اللجوء في ظل هذا السياق.
كما أُنشئت اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر برئاسة السفيرة نائلة جبر. ومع ذلك، تعرضت اللجنة لانتقادات لافتقارها إلى دور ملموس في ضمان حقوق اللاجئين وحمايتهم. بل إن تركيز اللجنة انصبّ بشكل أساسي على تحسين صورة الدولة في ملف اللاجئين، دون معالجة جوهرية للمشاكل التي تواجههم.
بالإضافة إلى ذلك، لم يفِ القانون رقم 82 لسنة 2016، وتعديلاته اللاحقة عليه، بإنهاء التعارض التشريعي بين مواد القانون، وقوانين أخرى مثل بعض مواد القانون رقم 89 لسنة 1960 أو المادة 5ج من القانون العسكري، أو القرار 444 لسنة 2014، فالقانون الأول يعفي المهاجرين المهرَّبين من المسؤولية الجنائية، بينما تجرمهم المواد المذكورة والقرار رقم 444، كما أتى التعديل متجاهلا لتعليقات المنظمات الحقوقية المطالبة بمزيد من ظروف الحماية لمتلمسي اللجوء في حالة العبور الغير نظامي بما يشمل الإلتزام بعدم العقاب، الأمر الذي تسبب في عمليات احتجاز لملتمسي اللجوء مازالت مستمرة حتى الآن، وقد فصَّلت المنصة اعتراضاتها وانتقاداتها للقانون في ورقة بعنوان: تغليظ العقوبات والهجرة غير النظامية: مفترق طرق قانوني وإشكاليات يومية.
على الرغم من وجود اللجنة كهيئة مختصة، إلا أنه لم يُلاحظ أي تأثير فعال في تحسين حياة اللاجئين أو تعزيز حقوقهم. إضافة إلى ذلك، أثارت تصريحات السفيرة جدلًا واسعًا، فقد زعمت أن عدد اللاجئين في مصر تجاوز 10 ملايين، وهو رقم مبالغ فيه ولم يتم دعمه ببيانات موثوقة.
كذا صدر قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 369 لسنة 2023 بإنشاء صندوق حماية الضحايا والمبلغين والشهود، ويتولى الصندوق تقديم المساعدات المالية للمجني عليهم ممن لحقت بهم أضرار ناجمة عن أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، وذلك بعد مطالبات حقوقية متعددة بتفعيل نص القانون وإنشاء الصندوق وتفعيل دوره في إطار يحمي حقوق المهاجرين/ات من المصريين وغير المصريين ويعوض القصور التشريعي في حماية الضحايا في القانون.
وقتها، اعتبرت المنصةُ القانونَ خطوة متأخرة لا توفر الحماية، ولا تضمن رقابة على الموارد، ومن دون آليات محددة، وتعريفات غير واضحة قد تتسبب في انتهاكات خطيرة للضحايا، كما أنها لم تعارض القصور والعجز التشريعي في القوانين المرتبطة.
فيما يخص قانون اللجوء الجديد، فقد تقدمت المنصة بتوصياتها في يوليو/تموز 2024، وذلك قبل إقرار مصر بشكل مفاجئ لقانون لجوء الأجانب الذي أحيط بسرية تامة قرابة عام ونصف، وهو ما انتقدته المنصة في ورقة سابقة لها بعنوان: “عشرة أشهر من التجهيل والتجاهل“. وبعد أن أقره البرلمان صدق عليه السيسي على عَجَل في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، دون نقاش مجتمعي كافٍ، وهذه الصورة تؤكد أمرين؛ هيمنة التعامل الأمني مع الملفات كافة في مصر، وأن هذا الاستعجال في الإقرار والتصديق، بعد عام ونصف من التراخي، يرتبط بجلسة العرض الدوري المزمعة بعد أيام، ويريد النظام المصري إعلان استيفائه لمطالب المنظمات الحقوقية، ولو بشكل نظري.
تحيط الحدود المصرية من جهاتها البرية كافة نزاعات مسلحة في الدول المجاورة، في ليبيا والسودان وفلسطين، ما يجعلها خيارًا أوليًّا لمواطني تلك الدول، فضلًا عن كونها مستقبِلة للسوريين منذ عام 2011، وأنها تعد دولة معبر لمهاجري إفريقيا إلى أوروبا. هذا الوضع جعل مصر دولة ملجأ للاجئين، أو دولة عبور هامة للعابرين منها إلى خارجها، ما يحتِّم وجود تشريع قانوني ينظم وضع اللاجئين في الدولة المستضيفة، ويحميهم في آن واحد، وهو ما تجاهلته السلطات المصرية مكتفية بنصوص قانونية متناثرة في تعاملها مع اللاجئين من جهة، ومطلقة يد الأمن في التعامل مع هذا الملف من جهة أخرى.
كانت المطالب الحقوقية للمعنيين بملف اللاجئين وحقوقهم تلح على وجود تشريع وطني لجَسْر هذه الهوَّة بين الشخص المُستضاف والبلد المستضيف، وعليه كانت مطالب “منصة اللاجئين في مصر” المتكررة بوجوب وجود تشريع وطني.
عندما أصدرت الحكومة المصرية بيانها في الاجتماع رقم 243 في 7 يونيو/حزيران 2023، انتظرنا الإفصاح عن فحوى هذا القانون المصحوب بغموض غريب منذ نشأته، وبعد عشرة أشهر من التجهيل والتجاهل الحكومي، أصدرت المنصة ورقة تفند فيها مخاوفها، بعنوان: “(عشرة أشهر من التجهيل والتجاهل) – ورقة موقف عن قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 243 لسنة 2023″، وأبدينا تخوفاتنا ومقترحاتنا لضمان وجود تشريع يتماشى مع مصلحة اللاجئين، دون الإخلال باعتبارات الأمن المحلي المتعارَف عليها دوليا، وهو ما لم يحدث بسبب الخلل المسيطر على النظام السياسي المصري في مفهوم الشراكة الاجتماعية.
انتقل مشروع القانون إلى لجنة الدفاع والأمن القومي التي وافقت عليه دون نقاش كافٍ ودون طرح مواده على المجتمع المدني، لكن المنصة تعاملت بإيجابية ومسؤولية مع هذا الطرح المفاجئ، وأصدرت دراسة تحليلية معمقة بالاشتراك مع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وكذا صدر عن المؤسستين ملخص سياسات لهذه الدراسة، لكن مجلس النواب وافق على القانون على عَجَلٍ كذلك، ما أوضح أن هناك سباقًا مع الزمن لتغطية جوانب الانتقاد الموجهة إلى مصر في الاستعراض الدوري السابق، وليس لإصدار قانون حقيقي، فضلًا عن استمرار رغبة النظام في السيطرة على موارد المؤسسات الدولية الموجهة إلى اللاجئين باحتكاره لكامل عملية اللجوء بدءا من حصر الأعداد، وانتهاء بإسباغ وصف اللاجئ على أحدهم أو رفضه، وحتى نزْعه عمن أُسبغ عليه الوصف، لتتحول الحكومة إلى سمسار أزمات بدلًا من كونها جهة رعاية وحماية وتنظيم.
عندما تقدمنا بطلب إلى الحكومة المصرية لوضع تشريع محلي يخص اللاجئين وأوضاعهم، فاجأتنا الحكومة المصرية بتشريع يقنن الممارسات غير القانونية والمناقضة لالتزاماتها الدولية، وبالتالي ستستمر مطالبنا بتعديل هذا التشريع ليكون متوافقًا مع المعايير الدولية، وحقوق اللاجئين، وبالطبع اعتبارات الأمن المحلي.
التوصيات:
على الحكومة المصرية إجراء تعديلات تشريعية كبيرة لمنظومة القوانين والقرارات المرتبطة باللاجئين بما يشمل:
تعديل قرار 444 لسنة 2014 والتعديلات الواردة عليه لضمان حماية المجتمعات الحدودية والمهاجرين واللاجئين الذين يطلبون الحماية.
تعديل قانون 82 لسنة 2016 ليشمل ضمانات لحماية اللاجئين في سياق الحركة والعبور الغير نظامي من العقاب والتجريم، وأيضا حماية مقدمي الخدمات للمهاجرين من التجريم والعقاب، وإلزام الدولة بتنفيذ عمليات بحث وإنقاذ وتوفير حماية حقيقية للضحايا و المبلغين والشهود.
تعديل قانون اللجوء ليشمل ضمانات تضع حدًّا بين صلاحيات اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين وضمان حماية مقدمي الخدمات من العقاب وعدم تجريم للاجئين وملتمسي اللجوء، ويضمن الحماية من الترحيل القسري والإجراءات التعسفية، ويحمي مقدمي الخدمات للاجئين وملتمسي اللجوء والمدافعين عنهم، ويوفر حماية حقيقية للفئات الأكثر ضعفا وتعرضا للخطر، يشارك في صياغة تعديلاته الأطراف المعنية وأصحاب المصلحة والخبراء، لضمان الإلتزام بالمعايير الدولية المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصدقت عليها مصر.