Search
Close this search box.

الحدود في غزة تقتل وتمكن الإبادة… صمت مخزٍ من المنظمات والمجموعات الأوروبية

الصورة: الجدار العازل على الحدود المصرية مع غزة
الصورة: الجدار العازل على الحدود المصرية مع غزة

This post is also available in: العربية الإنجليزية

لليوم الـ 131 على التوالي، تستمر “إسرائيل” في تنفيذ حرب إبادة جماعية غير مسبوقة ضد الفلسطينيين في غزة، والتي لم تشمل فقط القتل المباشر للمدنيين/ات من خلال القصف البري والبحري والجوي المتواصل والقتل العمد، بل استخدمت في ذلك سياسات واضحة لقتل الحياة المدنية في قطاع غزة من خلال استهداف القطاعات المدنية جميعها (الصحي، التعليمي، الثقافي، التاريخي) بقصف المنشآت واستهداف الكوادر الرئيسية لهذه القطاعات.

حرب الإبادة المستمرة كان أحد العوامل الرئيسية لوقوعها واستمرارها هي سياسات الحصار التي استخدمت فيها “إسرائيل” الحدود والسياج حول غزة في وقف تدفق أساسيات الحياة من (طعام، ومياه، ووقود، وأدوية)، ومنع خروج الجرحى والمصابين/ات، في ظل انقطاع مستمر للاتصالات والإنترنت. بينما تستمر في تصعيد سياسات وممارسات الحصار والتجويع وتنفيذ جرائم القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون وممارسة الإرهاب المفتوح ضد الفلسطينيين/ات في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة 1948.

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بعد مرور 15 يومًا على صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، قَتْل الجيش الإسرائيلي أكثر من 1864 فلسطينيًّا، من بينهم 690 طفلًا و441 امرأة، إضافة إلى أكثر من 2933 إصابة، منذ صدور قرار المحكمة، ما يرفع عدد الضحايا القتلى لحملة الإبادة المستمرة إلى 36,671 قتيل، من بينهم 14,031 طفل، و8,122 امرأة، وفقا للمرصد الأورومتوسطي عن الفترة من 07 اكتوبر 2023 وحتى 13 فبراير 2024.

وبينما نحن على وشك شهود اجتياح بري وارتكاب قوات الاحتلال لمجازر أخرى بحق الفلسطينيين في رفح -التي نزحوا إليها بعد نزوح متكرر بين ما أسمته القوات الإسرائيلية “مناطق آمنة”- التي تحولت إلى مدينة خيام وتحوي ما يزيد على المليون ونصف نازح من دون مكان آمن يستطيعون الذهاب إليه، واستمرار مصر في إغلاق معبر رفح وتعزيز بناء الأسوار العازلة وتواطؤ القوى الغربية في دعم وتمويل الإبادة الجماعية وتوفير غطاء سياسي للجرائم المرتكبة، نجد في المقابل، صمت المنظمات والمجموعات الأوروبية، فضلا عن أن بعضها شارك في نشر بروباجندا الاحتلال التي مكنت الإبادة، مما لا يمكن توصيفه إلا بالتطبيع مع الاحتلال والتواطؤ على الجرائم بالصمت أو التخاذل أو السماح للمجرمين بالإفلات من العقاب بمشاركة سردية المعتدي بكل ما تضمنته من دعاية مفبركة وأخبار كاذبة والتغافل المتعمد عن سردية وشهادات الناجين/ات والضحايا/ات، ومطالبات تشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة للوقوف على حقيقة الروايات التي روج لها الاحتلال.

ترفع المنظمات والمجموعات الأوروبية المعنية بحقوق الأشخاص المتنقلين شعارات لرفض الحدود مثل “الحدود تقتل”، “لا للحدود”، و”وَحدة النضال ضد نظام الحدود”. ومن المفترض أنها تتبنى سرديات ترتبط بحق الأشخاص في حرية الحركة والتنقل، وأن هذا الحق لا يرتبط بالجنسية أو نوع جواز السفر الذي يحمله الأشخاص، كما أنها تؤكد دائما أنه لا فرق ولا تمييز بين الأشخاص.

لكن عندما يرتبط الأمر بالفلسطينيين/ات، في غزة أو في الأراضي المحتلة، نجد أن هذه الأسس التي من المفترض أن تكون بديهية وأساسية لأي حراك حقوقي أو سياسي أو اجتماعي مناهض لنظام الحدود، تتحول إلى شعارات وسرديات تحتاج إلى أن تناقش من جديد من وجهة نظر الكثير من المنظمات والمجموعات الأوروبية، وكأن الفلسطينيين ليسوا بشرا ولا تسري عليهم حتى القواعد الأساسية المرتبطة بالمطالبة بـ”وقف إطلاق النار” أو “وقف الإبادة الجماعية” أو المسؤولية المشتركة لضمان حماية المعابر الحدودية و نفاذ المساعدات الإنسانية للمدنيين/ات المحاصرين/ات.

تفيد الشهادات التي وثقتها منصة اللاجئين في مصر أنه ومنذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة، دخلت المجموعات والمنظمات الأوروبية العاملة على قضايا الهجرة والمناهضة لأنظمة الحدود العنصرية، نقاشات مفتوحة من أجل الوصول إلى اتفاق من أجل إصدار بيان إدانة، سواء داخل المنظمات والمجموعات نفسها أو على مستوى التحالفات، فضلا عن اتخاذ إجراء فعلي مناهض يؤثر على سياسات الاتحاد الأوروبي الداعمة للإبادة والمشاركة فيها، في أغلب هذه النقاشات جردت الكثير المنظمات والمجموعات الفلسطينيين/ات من إنسانيتهم، واعتبرتهم مجموعات مختلفة تماما لا تسري عليها القواعد العامة التي يمكن من خلالها اتخاذ موقف معادٍ للانتهاكات الممارسة ضدهم/هن، أو موقف لدعم حقوقهم/هن، في عنصرية واضحة في التعاطي مع قضايا الجنوب العالمي، فالسودان والكونغو ليسا بعيدين عما يحدث، مضافا إليها عنصرية مضاعفة ضد الفلسطينيين/ات.

على الرغم من استثنائية الحالة الفلسطينية -كلاجئين- ولكن داخل أرضهم التي انتزعت منهم قوة، وعلى الرغم من معاناة الشعب الفلسطيني أجيالا تلو أجيال والانتهاكات بحقهم، ومحاولات التطهير العرقي، ونزوحهم قسرا من مكان إلى آخر داخل أرضهم، وعلى الرغم من استمرار حرب الإبادة لشهرها الخامس على التوالي دون توقف، ما زالت حتى الآن العديد من المنظمات الأوروبية المعنية بالدفاع عن قضايا اللاجئين والمهاجرين ملتزمة الصمت التام، بينما بعضها على حياء جاء متأخرا ببيانات إدانة بتوصيفات لا تعبر عن الواقع الذي يعيشه أهل القطاع.

الأرقام لا تعبر عن الواقع إطلاقا في إحصائيات القتل، ولكن على مدار السنوات الماضية تم توصيف البحر الأبيض المتوسط بـ “أكبر مقبرة جماعية بشرية في التاريخ الحديث“، حيث تفيد الإحصائيات أن عدد من قتلوا في البحر الأبيض المتوسط وصل إلي 28,918 شخصا منذ عام 2014 ليتم إطلاق هذا التوصيف، بينما في غزة وفي ظل استمرار العدوان قتلت آلة الإبادة (36,671) فلسطيني/ة، بينهم ما يقرب من 7 آلاف مفقود أو تحت الركام منذ أكثر من 14 يوما.

قامت معظم هذه المنظمات بتوظيف مفاهيم التقاطعية في العمل في خطابها من إنهاء الاستعمار والتقدمية الراديكالية وتقديم أصحاب المصلحة من الجنوب العالمي، التي نجحت في جذب الكثير من الأشخاص لدعمها خلال السنوات المنصرمة، إلا أن ممارساتها تدل على عدم مصداقيتها في الواقع العملي، إذ إنها لا تواجه الدور الإسرائيلي في بيع أدوات الفصل العنصري وعسكرة الحدود التي تقتل آلاف الأشخاص سنويا على المحاور الحدودية البرية والبحرية.

تمكنت “إسرائيل” من الترويج والبيع للأسلحة والتقنيات إلى جميع أنحاء العالم، بعد أن حولت من حياة وأرواح ومنازل الفلسطينية وحقولهم وقراهم حقلا لاختبار الأدوات والتقنيات، وما كانت لتنجح فيها أو في التسويق لها إلا بالصمت وإغفال الطَّرْف، تستمر إسرائيل في إرسال معدات المراقبة -التي تنتجها وتجربها على أجساد الفلسطينيين وحركتهم- إلى وكالات مراقبة الحدود في دول غربية متواطئة في ما تنطوي عليه هذه التقنيات من انتهاكات لحقوق الإنسان، إذ بيعت تكنولوجيا المراقبة التي تم تطويرها في إسرائيل، واختُبرت في مدن وبلدات الضفة الغربية، إلى الولايات المتحدة -التي دوما ما لاحقها هاجس بناء جدار فصلٍ على حدودها الجنوبية يشبه ذاك في فلسطين- في هيئة أبراج مراقبة ممتدة على الحدود المكسيكية، وإلى الاتحاد الأوروبي لعسكرة حدوده وتمديدها، حيث استخدمت وكالته الحدودية “فرونتكس” تكنولوجيا مسيّرات “هيرون” الإسرائيلية لمراقبة اللاجئين، بعدما “نجحت” إسرائيل باختبارها في غزة.

من أجهزة الإستشعار إلى الطائرات بدون طيار وغيرها من الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، ثبت أن أدوات مراقبة الحدود تدفع الناس نحو طرق أكثر خطورة وفتكا، وتجردهم من حقوق الخصوصية الأساسية الخاصة بهم وتضر بشكل غير مبرر بمطالباتهم بوضع الهجرة. ومن المعروف أيضًا أن هذه التقنيات تجرم الأشخاص المتنقلين وتصنفهم عنصريًا وتسهل عمليات الترحيل غير القانونية التي تنتهك مبادئ الحماية الإنسانية.

وتقوم “إسرائيل” بهذا الدور الأساسي في توريد واستدامة وتطبيع المجمع الصناعي الحدودي القائم على التسليح والتي تستورده كل من أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا والغرب لتجذير الخوف من الغرباء، وتقبلهم للديماغوجية المسببة للانقسام وإلقاء اللوم على الآخرين والضحايا وتقديمهم كـ”صانعي أزمات”، وتواطؤهم الأخلاقي والعملي في إفقار الملايين تحت الاحتلال والقمع متسببين في دفع ملايين الأشخاص ليجوبوا الأرض باحثين عن ملاذ آمن.

وقد يقول بعضهم في أوروبا إنه ربما تكون “إسرائيل” قد ضلت طريقها، ولكن الدول التي كانت تدعي أنها “متحضرة” ذات يوم تؤكد أنها تتبعها وتدعم إرهابها المفتوح بغير شروط وأكثر من ذلك. ومع ذلك لا يمكن تناسي أن إيديولوجية الصهيونية ومعاداة السامية نبعت بالأساس من قلب أوروبا واستمر الاحتلال وتمكن من ارتكاب أبشع الجرائم والإفلات من العقاب وتنصيب نفسه فوق القانون بسبب شرعنة تلك الدول له.

لم يتوقف الصمت فقط على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين في غزة والأراضي المحتلة، بل امتد هذا الصمت للانتهاكات التي حدثت بحق حركة التضامن مع فلسطينيين من استهداف للنشطاء والمجموعات المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني من تجريم للتظاهر لتجريم تواجدهم في تلك البلاد، وصولا إلى اقتراح مشروعات قوانين ضد اللاجئين والمهاجرين في أوروبا في نفس السياق مرورا باستهداف المناصرين/ات بتوجيه الاتهامات أو اقتحام المنازل. 

لذلك، يجب على المنظمات والمجموعات الأوروبية المعنية بحقوق الأشخاص المتنقلين التخلي عن التمييز وازدواجية تطبيق المعايير في المطالب التي تنادي بها من “لا للحدود” و”لا يوجد شخص غير قانوني”، وأن ينطوي في أسس عملها محاربة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والسعي نحو كسر حصار قطاع غزة المستمر منذ 17 عاما، وهما ما يمثلان العنف المطلق للحدود وظروفا أساسية غير قانونية قادت إلى حدوث وتمكين الإبادة في غزة، التي كان يمكن ليس وقفها بل أيضا منعها من الحدوث.

وأيضا الضغط على الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي بكل السبل الممكنة لوقف التعامل مع شركات الأسلحة الإسرائيلية أو تصدير واستيراد الأسلحة والتقنيات الإسرائيلية التي تستخدم في قتل الفلسطينيين/ات في الأراضي المحتلة أو في قتل المهاجرين/ات حول البحر الأبيض المتوسط أو تساهم في انتهاكات حقوق إنسان جسيمة على طرق الهجرة جنوب المتوسط وشرق أوروبا ضمن السياسات العنصرية من تمديد الحدود الأوروبية وعسكرتها.

كما يجب على المنظمات والمجموعات الأوروبية توفير الدعم اللازم لحركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في أوروبا والوقوف بحزم ضد سياسات وقوانين تجريم أنشطة التضامن وقمع الأصوات التي تنتقد “إسرائيل” وعدم السماح بانتهاك حقوق المهاجرين/ات واللاجئين/ات المشاركين بأعمال التضامن بالاعتداء أو الحبس أو قرارت الترحيل التعسفية أحيانا أو خلاف ذلك.

الاكثر قراءة

اخر الاصدارات

فايسبوك

تويتر