أكثر من عام على الحرب.. أبقوا أعينكم على السودان

مرَّ عام على بدء النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ليتسبب هذا النزاع في واحدة من أكبر أزمات النزوح والغذاء في العالم، وحتى 10 مايو/ أيار الماضي سجل مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة 16,650 حالة وفاة جرى الإبلاغ عنها في السودان، ويذكر المشروع أن عدد الوفيات المُبلغ عنها في السودان هو تقدير متحفظ بسبب القيود المنهجية للإبلاغ في الوقت الفعلي في سياق النزاع سريع الحركة.

يستعرض هذا التقرير:

أعداد النازحين وأوضاعهم داخل السودان وخارجه، ورحلات الهجرة ومخاطرها، وأوضاع السودانيين/ات القانونية والمعيشية في بلاد النزوح الانتقال.

أولا، أعداد النازحين:

المصدر: مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية

https://images.ctfassets.net/ejsx83ka8ylz/5p280xntmeKaoJJfVv8ODN/db1b24af740d44dd095ee51a83891be3/08_Sudan_map_02Mar20_A3_GoS.jpg?w=1920&h=1358&fm=webp 

أصدرت وكالة الأمم المتحدة للهجرة تقريرا يحلل تطور النزوح بناءً على بيانات مصفوفة تتبع النزوح حتى 25 إبريل/ نيسان 2024، وأعلنت نزوح ما يقدر بنحو 6,786,816 فردًا داخل السودان منذ بدء النزاع، وهو ما يصل إلى (1,325,866 أسرة)، كما نزح 2,075,369 فردًا عبر الحدود إلى البلدان المجاورة.

وبحسب التقرير السنوي الصادر عن المنظمة نفسها، فقد كان أكثر من نصف الأفراد النازحين داخليًا من الأطفال، تحت سن 18 عامًا بنسبة بلغت نحو 53 في المئة، وكان ما يقرب من 22 في المئة من هؤلاء الأطفال دون سن الخامسة، وما يقرب من 28 في المئة من الأفراد النازحين من الأطفال الإناث تحت سن 18 عاما، اللاتي واجهن مخاطر حماية فريدة من نوعها.

وشهدت ما يقرب من 10 في المئة من المحليات في جميع أنحاء السودان زيادة سكانية بنسبة 50 في المئة أو أكثر بسبب تدفق النازحين، مما أدى إلى تفاقم الضغط على الموارد والخدمات المحدودة بالفعل.

وأصبح السودان يضم قرابة 13 في المئة من جميع النازحين داخليًا على مستوى العالم، كما أصبح هناك سوداني واحد من بين كل 8 نازحين داخليًا في جميع أنحاء العالم.

توزيع النازحين داخل السودان

الولاية عدد النازحين
جنوب دارفور 744,243
نهر النيل 698,334
شرق دارفور 660,140
شمال دارفور 573,055
النيل الأبيض 532,643
سِنَّار 523,986
القضارف 492,293
وسط دارفور 430,224
الولاية الشمالية 399,867
الجزيرة 371,177
البحر الأحمر 247,874
كسلا 200,083
جنوب كردفان 198,839
غرب دارفور 174,540
شمال كردفان 174,007
غرب كردفان 148,718
النيل الأزرق 147,736
الخرطوم 69,057

المصدر: تقرير النزوح الشهري الثامن، الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة 

https://dtm.iom.int/reports/dtm-sudan-monthly-displacement-overview-08

توزيع النازحين في دول الجوار

الدولة عدد النازحين
تشاد 745,086
جنوب السودان 652,947
مصر 514,827
إثيوبيا 124,200
جمهورية إفريقيا الوسطى 29,444
ليبيا 8,865

المصدر: تقرير النزوح الشهري الثامن، الصادر عن المنظمة الدولية للهجرة 

https://dtm.iom.int/reports/dtm-sudan-monthly-displacement-overview-08

ثانيا، أوضاع النازحين:

أفادت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة في تقريرها عن توقعات الأمن الغذائي في السودان للمدة من فبراير/ شباط إلى سبتمبر/ أيلول 2024، أنه من المتوقع أن تنتشر مستويات أزمة انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 3 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) على نطاق واسع.

ومن المتوقع أن تتوسع مستويات الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل) بشكل كبير في جميع أنحاء دارفور الكبرى وكردفان الكبرى وولايات الخرطوم والبحر الأحمر وكسلا وأجزاء من جنوب شرق البلاد.

ومن المتوقع حدوث مستويات كارثية (المرحلة 5 من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) بين الأسر في أجزاء من ولايتي غرب دارفور والخرطوم وبين السكان النازحين على نطاق أوسع، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها في دارفور الكبرى.

وأرجعت الشبكة ذلك إلى البداية المبكرة غير المعتادة لموسم الجدب في مارس/ آذار حتى سبتمبر/ أيلول 2024.

كما قالت منظمة إنقاذ الطفولة إن ما يقرب من 230 ألف من الأطفال والحوامل والأمهات الجدد قد يموتون في الأشهر المقبلة بسبب الجوع ما لم يجر الإفراج عن تمويل عاجل لإنقاذ الحياة للاستجابة للأزمة الهائلة والمتفاقمة في السودان، إذ يعاني أكثر من 2.9 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، ويعاني 729,000 طفل إضافي دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الشديد، وهو أخطر أشكال الجوع الشديد وأكثرها فتكًا.

أما لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل فقد ذكرت أن قرابة 24 مليون طفل في السودان معرضون لخطر كارثة جيلية، ومن بين هؤلاء الأطفال هناك 14 مليون في حاجة ماسة إلى الدعم الإنساني، و19 مليون غير ملتحقين بالمدارس، و4 ملايين نازحون، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهذا يجعل السودان الآن أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم.

وفقا لحوار موقع CNN الاقتصادية مع عثمان البلبيسي، المدير الإقليمي لمنظمة الهجرة الدولية، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن السودان يحتاج إلى مساعدات بقيمة 2.7 مليار دولار للوصول إلى 14.7 مليون شخص من أصل 24.8 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات.

وأوضح البلبيسي أن ما وصل حتى الآن يمثل 5 في المئة فقط مما طلبته منظمات الأمم المتحدة وذلك بسبب “الخطط المالية لكثير من الدول، واختلاف الأولويات، وزيادة عدد الأزمات في العالم، لهذا نتمنى أن يكون مؤتمر باريس القادم فرصة مناسبة لجميع الدول للقيام بواجبها نحو السودان وإعطاء الأزمة السودانية ما تستحقه من اهتمام، وينعكس هذا في حجم التمويل المتناسب مع الاحتياجات”. ويعتبر قطاع الاستجابة للاجئين أهم قطاع يحتاج إلى المساعدات، ويصل حجم المساعدات المطلوبة للقطاع إلى 631.2 مليون دولار، بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وتتعرض السيدات والفتيات السودانيات لانتهاكات جنسية مروعة، إما في المدن التي تدور فيها المعارك، أو في مسارات النزوح والهجرة، وبحسب تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال الأزمة، المنشور في نهاية عام 2023، أفادت المفوضية “أن النساء والفتيات داخل السودان يتحملن وطأة عواقب النزاع، بما في ذلك مستويات “مثيرة للقلق” من الانتهاكات الجنسية، وقد تعرض الكثير من طالبي اللجوء أو شهدوا حالات من التحرش والاختطاف والاغتصاب والاعتداءات الجنسية والاستغلال الجنسي وغيرها من أشكال العنف خلال رحلاتهم”.

وتذكر المفوضية أنها سجلت في عام 2023 “ارتفاعًا في حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في شرق تشاد، التي وصل إليها معظم اللاجئين القادمين من السودان، أي أكثر من ضعف ما تم تسجيله في العام السابق. ومن المرجح أن يكون الحجم الحقيقي للمشكلة أكبر من ذلك، مع النقص الشديد في حالات الإبلاغ عن الحوادث بسبب الخوف من الوصمة والانتقام – وهو نمط يتكرر في بلدان أخرى تستضيف اللاجئين من السودان”.

النازحون/ات السودانيون/ات في تشاد:

يبلغ طول الحدود السودانية التشادية 1,340 كلم، وتتصل الحدود بولايات شمال وغرب ووسط دارفور، وكان إقليم دارفور قد شهد قتالا عام 2003 بين قوات الجنجويد وجماعات عرقية في الإقليم أدت إلى مقتل قرابة 300 ألف سوداني، وبسبب هذه المعارك أدين الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير أمام المحكمة الجنائية الدولية، وقد أعاد النزاع المسلح الحالي ذكرى هذه المعارك، خاصة أن طرفي النزاع في الإقليم يتعاونون مع السكان المحليين على أساس أعراقهم.

بحسب شهادة أوردها موقع الأمم المتحدة، فإن الرحلة من دارفور إلى أدري في تشاد شديدة الخطورة، وقالت الصحفية السودانية الناجية من دارفور إنها وأسرتها تعرضوا “للنهب من قبل المسلحين في الطريق من الجنينة إلى تشاد، أخذوا منا كل شئ لكن وصلنا في نهاية المطاف إلى مخيم اللاجئين في أدري”.

وتابعت “إن الفارين من الجنينة تعرضوا إلى القتل في طريقهم إلى مخيمات اللاجئين في تشاد، وقد وصل عدد كبير من الأطفال غير المصحوبين بذويهم بسبب مقتل ذويهم في الطريق”.

ويعاني بعض الموجودين في مخيم أمبليا الشاسع بالقرب من مدينة أدره من إعاقات دائمة كان من الممكن تجنبها لو خضعوا لعملية جراحية، ويحاول النشطاء ترتيب السفر إلى بورتسودان في شرق السودان، حيث المرافق الطبية أفضل نسبيًا من تشاد.

لم تتوقف تبعات النزاع في السودان على النازحين السودانيين، بل امتدت لتطال تشاد أيضا، فوفقا لمنظمة “العمل ضد الجوع” فإن أكثر من 3.4 مليون شخص في حاجة “عاجلة” إلى الاستجابة الإنسانية في تشاد نتيجة التدفق الهائل للاجئين الفارين من الحرب في السودان و”نقص التمويل”.

وتضيف المنظمة أنه “اعتبارًا من شهر مايو/ أيار فصاعدًا، من المرجح أن يتدهور الوضع الإنساني بشكل أكبر، وسيؤدي حلول موسم الأمطار وموسم العجاف إلى زيادة الاحتياجات، وفي الوقت نفسه، سيجعل من الصعب على العاملين في المجال الإنساني الوصول إلى السكان الذين يصعب الوصول إليهم”.

وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين “تمثل النساء والأطفال نحو 90% من اللاجئين، وقد وصل ما نسبته 77 بالمائة من النساء بمفردهن إلى تشاد مع أطفالهن، وقد تعرض العديد منهم لانتهاكات جنسية، بما في ذلك الاغتصاب، ويحتاجون الآن إلى متابعة حصولهم على دعم شامل”.

يُذكر أن برنامج الأغذية العالمي، ذكر في مارس/ آذار الماضي أن المساعدات الغذائية المقدمة لمئات آلاف اللاجئين السودانيين في تشاد، وبعضهم على شفا المجاعة، ستتوقف في إبريل/ نيسان الجاري ما لم يتم تقديم مزيد من التمويل.

كما يشتكي اللاجئون/ات في معسكرات تشاد من الأوضاع الصحية والإنسانية، فضلا عن العنف والانتهاكات المتكررة بحق السيدات، وتسببت الأوضاع الغذائية والإنسانية والأمنية، في عودة خمسة آلاف أسرة من تشاد إلى دارفور، رغم تدهور الأوضاع الأمنية في الإقليم، بحسب غرفة طوارئ غرب دارفور – الجنينة.

وتشير تقارير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى زيادة في عدد الأشخاص الذين يعبرون من السودان إلى تشاد، حيث أصبح انعدام الأمن الغذائي ينافس العنف كعامل محفز، ويأتي معظم الوافدين من غرب دارفور وجنوب دارفور، وهي المناطق المتضررة من الغارات الجوية.

يوصف الوضع هناك بأنه مزرٍ، إذ لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء والحاجة ماسة إلى التدخل الطبي الجاد، وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 10,000 شخص قُتلوا في الجنينة وما حولها، معظمهم من المساليت، خلال القتال بين الميليشيات.

النازحون/ات السودانيون/ات في جنوب السودان:

يبلغ طول الحدود السودانية مع دولة جنوب السودان 1,973 كلم، وتتصل الحدود بين الدولتين بولايات النيل الأزرق وسنار والنيل الأبيض وجنوب كردفان وغرب كردفان وشرق دارفور وجنوب دارفور، ويعاني اللاجئون السودانيون بمعسكر قُرم غربي مدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان من عدم توفر الأمن إضافة إلى النقص في الخدمات الأساسية من صحة وتعليم والمياه الصالحة للشرب، ومن جهة أخرى، كشفت (بدور) مسؤولة الصحة بمعسكر قرم للاجئين بمدينة جوبا عن ارتفاع معدلات الإجهاض بصورة مخيفة وسط الحوامل بالمعسكر، مبينة أنهم ناقشوا مع وزارة الصحة الاتحادية بجوبا موضوع الإجهاض المخيف ولم يتوصلوا إلى الحلول المناسبة.

وفي تقرير لإذاعة مونت كارلو، كشف النازحون عن مشكلات خلال الرحلة، وإشكاليات التسجيل بعد الوصول إلى جنوب السودان، فضلا عن ارتفاع تكاليف كل شيء سواء السفر أو السكن أو إجراءات الإقامة، كما أن المخيمات غير مناسبة للحياة على المستويات الغذائية والصحية والإنسانية.

يقول أميتاب بيهار، المدير التنفيذي المؤقت لمنظمة أوكسفام الدولية: “لقد رأينا ما يصل إلى 1,500 شخص يصلون كل يوم إلى الرنك، الواقعة في شمال جنوب السودان بولاية أعالي النيل، بعضهم على عربات تجرها الحمير، والبعض الآخر محشورون في حافلات صغيرة مكتظة، وأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل يسيرون لأميال تحت أشعة الشمس الحارقة للوصول إلى الحدود”.

النازحون السودانيون في مصر:

يبلغ طول الحدود السودانية المصرية 1,273 كلم، وتتصل الحدود بولايتي وادي حلفا والبحر الأحمر، ونظرا للروابط التاريخية بين مصر والسودان، فقد اتجه السودانيون نحو الجارة الشمالية قبل النزاع المسلح، وبعده بطبيعة الحال، وتزعم السلطات المصرية أن مصر تضم 4 ملايين سوداني، وبغض النظر عن مدى دقة الرقم الذي تحصره تقديرات الأمم المتحدة بـ514,827، فإن مصر استقبلت وما تزال تستقبل السودانيين الفارين من النزاع المسلح، ما يستدعي الانتباه إلى أوضاعهم لا أعدادهم.

رصدت “منصة اللاجئين في مصر” إجراءات الدخول للسودانيين وغيرهم من النازحين مع بدء النزاع المسلح، ومع تجهيل للمعلومات، كانت السلطات المصرية مستمرة في تفعيل اتفاقية الحقوق الأربعة والسماح بعبور السودانيين دون إجراءات مسبقة مع بطء شديد في إجراءات حركة العبور في الأسبوعين الأولين من النزاع المسلح ووقتها كان يستمر انتظار الأشخاص لأيام أمام المعبر -بحسب شهادات وثقتها منصة اللاجئين حينها- وهو ما أدى إلى إصابة العديد من النازحين بالأمراض، وبعضهم ساءت حالته وتوفي، خاصة مع عدم جاهزية منطقة الانتظار حول المعبريْن لاستقبال عدد كبير من العابرين/ات.

مع استمرار تدفق النازحين سرعان ما بدأت الحكومة المصرية تشديد إجراءاتها، ففي 25 مايو 2023 أصدرت مصر قرارا بوقف التعامل بوثائق السفر المؤقتة للسودانيين على المعابر المصرية، وهي الوثائق التي كان معمولا بها منذ بداية النزاع المسلح في السودان وكانت السلطات المصرية تسمح بعبور حامليها من السودانيين/ات إلى مصر بعد الإجراءات المتبعة للعبور، وهو الأمر الهام الذي كان من خلاله يمكن وصول كبار السن والأطفال والمرضى ممن لا يمتلكون جوازات سفر إلى مصر وبعدها بأيام -في 7 يونيو 2023- أصدرت السلطات المصرية قرارا يلزم الفئات التي لا تحتاج إلى تأشيرة للدخول إلى البلاد -وفقا لـ”اتفاقية الحريات الأربع”- باستصدار تأشيرة دخول إلى مصر اعتبارا من يوم 10 من الشهر نفسه، ما عمَّق أزمة النازحين وأغلق الحدود الشمالية أمام أغلبهم.

ثم صدر قرار رئيس مجلس الوزراء، رقم 3326 لسنة 2023 الخاص بتقنين أوضاع الأجانب، متزامنا مع حملات اعتقال وتوقيف للسودانيين وغيرهم في مصر.

في ظل هذه البيئة التشريعية غير الداعمة للاجئين، يعاني النازحون السودانيون/ات من إشكاليات كبيرة في عملية تسجيل طلباتهم المقدمة إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، وثقتها المنصة في تقرير نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، وهي انتقادات خاصة بنظام وسياسات تقديم خدمات التسجيل لدى المفوضية، وقد أدى خلل الإجراءات إلى طول فترة الانتظار الخاص بإجراء مقابلة مع موظفي المفوضية، التي قد تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر، وتمتد هذه العملية إلى إصدار الرقم المرجعي الذي يمهد للحصول على تصريح إقامة، وتبلغ مدة هذه العملية قرابة عام كامل للحصول على إقامة سارية تمتد صلاحيتها إلى ستة أشهر بحد أقصى.

إن أحد أسباب هذه المشكلة وجود ثلاثة مكاتب فقط للمفوضية (اثنين في القاهرة الكبرى والثالث في الإسكندرية)، ولا توجد مكاتب حدودية أو قريبة من الحدود مع السودان، ما تسبب في ضغط كبير على المكاتب الثلاثة، وارتفاع تكاليف الانتقال على الراغبين/ات في التسجيل، فضلا عن أنه لا يحق لهم الاستفادة من خدمات المنظمات والهيئات الحكومية والأهلية والدولية إلا بعد التسجيل، بالإضافة إلى انعدام الحماية القانونية لهم خلال تنقلاتهم/ن، ما أدى إلى اعتقالات وترحيل واعتداءات بحق الأشخاص الذين لا يحملون أوراقا ثبوتية.

وجدير بالذكر أن “منصة اللاجئين في مصر” أصدرت ورقة مفصلة عن النازحين السودانيين بدءا من خلفيات النزاع مرورا بالقرارات المصرية وتأثيرها على حركة النزوح، وأوضاع السودانيين في الداخل المصري، بخلاف العديد من التقارير والبيانات التي تابعت أوضاع السودانيين لحظة بلحظة.

كما أجرت “منصة اللاجئين في مصر” تحقيقا مشتركا مع “ذا نيو هيومنيتاريان”، واستخدموا الصور ومقاطع الفيديو وصور الأقمار الصناعية لتأكيد وجود قواعد عسكرية مصرية احتُجز فيها نازحون سودانيون/ات، ومعظم هذه القواعد غير معروف، وتشمل القواعد العسكرية التي حددها المراسلون أماكن مات أو اختفى فيها في الماضي المدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضون المصريون من قبل الأجهزة الأمنية، ووثق الصحفيون النتائج من خلال مقابلات ووثائق من داخل الوكالات الحكومية السرية وتقنيات التحقيق مفتوحة المصدر.

وخلص التحقيق إلى أن المهربين يأخذون اللاجئين/ات عبر الصحراء في رحلة طويلة ووعرة تمر بالجبال والصخور ونقاط التفتيش العسكرية، ويتم تكديس اللاجئين/ات من قبل المهربين على ظهر سيارات النصف نقل، حيث يضطرون للتشبث بالحبال لتجنب السقوط، واستخدام الأقنعة الطبية لمنع دخول الغبار الخانق.

وقال بعض اللاجئين/ات للصحفيين إن قوات حرس الحدود المصرية أطلقت النار عليهم في المناطق الصحراوية، ثم اعتقلتهم ورحَّلتهم دون أي إجراءات قانونية، وقال آخرون إنهم اعتقلوا في بلدات ومدن مختلفة واتهمتهم السلطات الأمنية بجرائم زائفة، بما في ذلك التهريب أو “إلحاق ضرر جسيم” بمصر.

تسببت الضغوط القانونية والتشديد على دخول مصر بالإضافة إلى الحملات الأمنية داخلها، في أمرين عكسيين؛ أولهما نتج عن التشديد في الدخول الطبيعي إلى مصر، إذ اضطر كثير من السودانيين/ات إلى محاولة الدخول عبر طرق التهريب، فزادت مخاطر النزوح التي تتنوع بين الابتزاز أو الوفاة بسبب الحوادث أو السرقة أو الاعتقال عقب الوصول إلى الحدود المصرية أوالتعرض إلى إطلاق النار برصاص القوات المطارِدة للنازحين.

الالتجاء إلى هذه الوسيلة الخطرة للنجاة من ويلات القتال في السودان مفهومٌ، إذ القتال داخل الولايات وما يتزامن معه من أعمال تخريب واعتداء على الممتلكات والاغتصاب، يجعل أمل الخروج إلى مصر يفوق مخاطر الرحلة، فاندفع سودانيون/ات وراء احتمالية النجاة من مخاطر الرحلة، بالمقارنة مع ارتفاع نسبة احتمال التَّأذِّي نتيجة نزاع البرهان وحميدتي.

الأمر الثاني، نتج عن الإجراءات المصرية في التعامل مع النازحين/ات، خاصة حملات الترحيل وارتفاع تكاليف تقنين وضع النازحين، فاضطر البعض إلى العودة إلى السودان إذا انتهت مدخراتهم/ن، ليجد السودانيون أنفسهم بين مطرقة الحرب وسندان النظام المصري الذي يسعى إلى الاستفادة من وضع السودانيين في إنعاش الخزينة الدولارية لمصر، على خلفية أزمة اقتصادية طاحنة.

النازحون السودانيون في إثيوبيا:

يبلغ طول الحدود السودانية الإثيوبية 727 كلم، وتتصل الحدود بولايات القضارِف وسنار والنيل الأزرق، ويعاني النازحون بسبب المواجهات بين القوات الإثيوبية الحكومية والمليشيات المحلية (الفانو) منذ بداية مارس/ آذار الماضي، ما أدى إلى تفاقم معاناة آلاف اللاجئين السودانيين في معسكر كومر بإقليم الأمهرة الإثيوبي، وقال اللاجئ يوسف عمر عضو اللجنة المركزية للاجئين بالمعسكر لراديو دبنقا “إن تصاعد حدة الاشتباكات يؤدي إلى تأخر وصول الخدمات خاصة الصحة والمياه بواسطة المنظمات العاملة”.

وقال عمر، “إنهم طالبوا الوفود الزائرة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بإجلائهم من المعسكر بسبب عدم توفر الأمن وانتشار السلاح وسط المجتمع المضيف واستمرار الاعتداءات بجانب عدم توفر المياه”، وأشار إلى اتجاه وسط اللاجئين بمقاطعة الخدمات المقدمة، فضلا عن تكرار إطلاق رصاص بصورة مستمرة ليلا مع استمرار عمليات النهب والاختطاف.

وسبق لموقع دبنقا نشر شهادة لإحدى اللاجئات في المعسكر نفسه، قالت فيه إن معظم سكان المنطقة المستضيفة يحملون الأسلحة مما أدى إلى تزايد الانتهاكات وحوادث إطلاق النار في المعسكر نتج عنها مقتل اثنين من اللاجئين من بينهم سوداني خلال الفترة الماضية، بجانب توالي الاعتداءات مثل عمليات الاختطاف التي طالت لاجئين كما تم نهب عربة إسعاف تتبع للمعسكر.

ولفتت إلى اغتصاب ست فتيات، تحررت بحوادثهن بلاغات لدى السلطات، وأكدت أن اللاجئين لا يستطيعون الخروج من المعسكر لمسافة تبعد 4 كيلومترات بسبب الوضع الأمني، وأرجعت وقوع هجمات مسلحة متكررة للمعسكر بغرض السرقة والنهب إلى ضعف تأمين المعسكر وعدم وجود سور خارجي، ولم تعالج السلطات هذا الخلل الأمني.

يُذكر أن السلطات الإثيوبية أصدرت قرارا مطلع فبراير/ شباط الماضي، بإعفاء السودانيين الذين فروا إلى إثيوبيا جراء الحرب من متأخرات وغرامات الإقامة خلال الأشهر السابقة، ومنحهم إقامة مجانية لمدة ثلاثة شهور لتوفيق أوضاعهم، على أن يغادروا بعد ذلك خلال عشرة أيام مع سداد 100 دولار كرسوم تأشيرة الخروج.

لكن يشتكي سودانيون من الرسوم الشهرية التي تفرضها إثيوبيا بمقدار 100 دولار للفرد، كما لا تسمح لهم السلطات الإثيوبية بالعمل، فضلا عن تعرضهم للضرب في إدارة الهجرة، وارتفاع تكاليف السكن.

النازحون السودانيون في دولة إفريقيا الوسطى:

يبلغ طول الحدود السودانية مع دولة إفريقيا الوسطى 448 كلم، وتتصل الحدود بولاية جنوب دارفور فقط، وفي محافظة فاكاغا، التي تستضيف معظم اللاجئين السودانيين في جمهورية إفريقيا الوسطى، لا يزال الوضع الأمني متقلبًا، ولا تزال الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، بما في ذلك الوجود المزعوم لقوات الدعم السريع من السودان، تشكل تحديات أمنية كبيرة.

تعرقل هذه الجماعات حياة المدنيين والجهود الإنسانية في المنطقة، وفي حين قامت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى بتأمين نقطة العبور الحدودية الرئيسية مع السودان في أم دافوك، إلا أن التسلل لا يزال مستمرًا على طول الحدود التي يسهل اختراقها.

أدى الاكتظاظ في في كورسي بمحافظة فاكاغا إلى تحديات في مجال النظافة الصحية والصرف الصحي، حيث يوجد مرحاض طارئ لكل 150 شخصًا، بالإضافة إلى ذلك، انخفض توزيع المياه إلى أقل من 12 لترًا لكل شخص يوميًا.

النازحون السودانيون في ليبيا:

يبلغ طول الحدود السودانية الليبية 383 كلم، وتتصل الحدود بولايتيْ شمال دارفور والولاية الشمالية، وتبدأ رحلة الفارين من جحيم الحرب بإقليم دارفور، من مدينة “مليط” الحدودية مع دولة ليبيا (66) كلم شمال مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، ومنها إلى مدينة “الكفرة” الليبية وتبعد نحو 3500 كلم من مدينة مليط، بحسب موقع دارفور 24.

ونقل الموقع عن مدير أحد مكاتب الرحلات أن قيمة التذكرة بتذبذب من فترة لأخرى بسبب انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام الدينار الليبي، إذ تتراوح بين 250 ألف جنيه للفرد من العائلة في السيارات الصغيرة، و180 للشاحنات الكبيرة، ويعيش معظم السودانيين في مدينة الكفرة جنوب ليبيا وفي بنغازي وطبرق شرقي ليبيا وفي مدن مصراتة وأجدابيا وسرت وزليتن وسبها وبني وليد والعاصمة طرابلس غرب ليبيا، بحسب حديث حافظ عبدالرحمن، المقيم في ليبيا منذ 20 عاما وعضو لجنة استقبال السودانيين.

تضم الكَفْرَة النصيب الأكبر من النازحين السودانيين، ويشير اصطفاف الآلاف أمام مراكز المساعدات بها إلى عمق الأزمة الإنسانية في المدينة، وقد حذر الناطق باسم المجلس البلدي بمدينة الكفرة الليبية، عبدالله سليمان من تكدس اللاجئين السودانيين بالمدينة، قائلًا إنه لا يوجد حصر دقيق للاجئين من السودان بمدينة الكفرة حتى اللحظة، في ظل دخول عشوائي لأعداد كبيرة من الفارين من الحرب في السودان.

ورغم قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، الذي يقضي بأن اللاجئين السودانيين الذين دخلوا ليبيا هربا من الصراع في بلادهم، سيعاملون مثل الليبيين في جميع المجالات وخاصة التعليمية والصحية، فإن هناك صعوبات كبيرة تواجه المهاجرين الذين يريدون تقديم طلب اللجوء، وهي صعوبة الوصول إلى مكاتب مفوضية اللاجئين لأنها لا تملك مكاتب إلا في طرابلس فقط، ما سبب الكثير من المتاعب للمهاجرين المقيمين خارج مدينة طرابلس في أثناء محاولتهم الوصول إلى المفوضية، بسبب كثرة النقاط الأمنية على طول الطرق التي تؤدي إلى المدينة طرابلس، فيتم القبض على أغلب طالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى طرابلس لتقديم اللجوء لدى المفوضية.

وتعتبر كل من ليبيا وتونس نقطتا مغادرة للأشخاص الذين يحاولون الانتقال إلى أوروبا، وتم تسجيل ما يقرب من 6,000 وافد سوداني إلى إيطاليا في العام الماضي مقارنة بـ 1,000 شخص في عام 2022.

Post Scan this QR code to read on your mobile device QR Code for أكثر من عام على الحرب.. أبقوا أعينكم على السودان
Facebook
Twitter
LinkedIn