أعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الخميس الموافق 14 أبريل، عن إتمام صفقة تقضي بإرسال طالبي اللجوء الذين يصلون إلى المملكة المتحدة إلى رواندا لمعالجة قضاياهم، في خطوة يحذر الخبراء من أنها غير فعالة وتنتهك القانون الدولي و ستشجع من عمل تجار بالبشر.
يوم الخميس الموافق 14 أبريل، أعلن وزير الداخلية أيضا في كيجالي أنه مقابل 120 مليون جنيه إسترليني، أي 157 مليون دولار، من المساعدات التنموية، ستقبل رواندا نقل طالبي اللجوء الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة من خلال عبور القنال الإنجليزي، بحر المانش، أو بالشاحنات.
ستكون البحرية البريطانية مسؤولة من هنا فصاعدًا عن الهجرة عبر القناة وسيتم إيواء الأشخاص الذين تم نقلهم إلى الدولة الأفريقية من قبل حكومة المملكة المتحدة في مساكن مؤقتة بينما تعالج الحكومة الرواندية طلبات اللجوء الخاصة بهم، والتي من المتوقع أن تستغرق حوالي ثلاثة أشهر. أولئك الذين ينجحون سيُمنحون حق البقاء في رواندا على المدى الطويل!
هذا يجعلها مجرد عملية طرد وليس معالجة طلبات لجوء، والتي، بصرف النظر عن أي اعتراضات أخرى، تحمل العديد من أصداء الحقبة الاستعمارية. تدل الخطة على مزيد من تنفيذ سياسات عسكرة وتمديد حدود أوروبا إلى شمال ووسط أفريقيا جنوب الصحراء، والتي نرى أنها إلى حد كبير ممارسات سلطوية بارزة بالفعل في جنوب المتوسط، والتي يستخدمها الشمال الأوروبي الآن. هذا لا يثبت فقط تدهور احترام حقوق الإنسان في السياقات “الاستبدادية” ولكن أيضًا في ما يسمى بالسياقات الديمقراطية.
انتقد الخبراء والمنظمات المعنية باللاجئين الخطة ووصفتها بأنها قاسية ولا إنسانية. وشكك العديد في تكلفتها وتأثيرها وأثار المتابعون مخاوف بشأن سجل رواندا في مجال حقوق الإنسان. كما دعت أكثر من 160 جمعية خيرية ومجموعة حملات من شبكة المملكة المتحدة للمنظمات غير الحكومية إلى إلغاء الاتفاق في رسالة مفتوحة وصفت الخطة بأنها “قاسية بشكل مخجل”.
يقول جونسون أن الخطة “ستنقذ أرواح لا تعد ولا تحصي” و”ستكسر نموذج أعمال مهربي البشر”. وأضاف إن أولئك الذين نجحوا في الوصول إلى المملكة المتحدة “لن يتم نقلهم إلى الفنادق على نفقة عامة ضخمة”، وبدلاً من ذلك سيتم إيوائهم في مراكز الاحتجاز. ووفقا للمخطط الذي أعلنه كل من بوريس جونسون ووزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، التي سافرت إلى العاصمة الرواندية كيجالي لتوقيع الاتفاق، سيركز المخطط التجريبي في البداية بشكل أساسي على الرجال غير المتزوجين الذين يصلون على متن قوارب أو شاحنات و سوف يمنحون تذكرة ذهاب فقط لرحلة إلى رواندا.
علقت صحيفة الجارديان علي الصفقة بأنها ذات “حجج قاسية وساخرة”، وقالت أن “هذا النهج مرفوض لأسباب متعددة. إنه مكلف وغير إنساني ويتعارض مع تاريخ التزام هذا البلد تجاه اللاجئين، ومن المرجح أن يثبت أنه غير قانوني ومن غير المرجح أن يكون هذا هو الرادع الذي تأمله باتيل. إنه إجراء عنصري. يبدو من غير المحتمل أن يتم إرسال طالب لجوء أوكراني أبيض وصل إلى بريطانيا إلى رواندا. كما أنها ليست شائعة كما يفترض البعض؛ وأظهر استطلاع للرأي يوم الخميس أن غالبية الناخبين يعارضون الخطة.”
ووصفت إيفيت كوبر، نائبة حزب العمال البريطاني، الأمر بأنه “غير عملي وغير أخلاقي وابتزاز”، وحذرت من أنه سيكلف دافعي الضرائب في المملكة المتحدة مليارات الجنيهات الاسترلينية خلال أزمة تكلفة المعيشة وسيجعل الأمر “أصعب وليس أسهل” للحصول على قرارات لجوء سريعة وعادلة. وانتقدت الإعلان ووصفته بأنه “محاولة يائسة ومخزية” من قبل السيد جونسون “لصرف الانتباه عن خرقه للقانون” وعن “انهيار” عملية صنع القرار في وزارة الداخلية بشأن طلبات اللجوء، والتي ترى الآلاف ينتظرون أكثر من عام لاتخاذ قرار.
إن رواندا، على الرغم من انتهاكاتها الشهيرة لحقوق الإنسان، ستكون قادرة على إعادة توطين آلاف الأشخاص في السنوات القادمة، وفقًا لجونسون. إن تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان والفساد في رواندا يتحدث عن نفسه. هذه صفقة لقتل من لم يمت في بلاده أو في البحر.
قال بوريس جونسون، وقت الإعلان عن الخطة، أن رواندا بلد ديناميكي وواحد من أكثر الدول أمانًا في العالم، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية أدانت هذا الأسبوع رواندا في تقرير لها كدولة لديها “أزمة قضايا حقوق الإنسان هامة”، وأبرزت قضايا تشمل القتل التعسفي والاحتجاز والاختفاء القسري، و ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة. واتضح أنه قبل 10 أشهر فقط من توقيع الاتفاقية، أصدرت المملكة المتحدة بيان تدق فيه ناقوس الخطر بشأن فشل السلطات في رواندا في التحقيق بشكل مناسب في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة وحماية ودعم ضحايا الاتجار بالبشر.
من خلال هذه الخطوة، تقدم المملكة المتحدة نموذجًا غير أخلاقي من التجريم الإضافي لمن يحاولون البحث عن الأمان لدول أخرى في شمال العالم ممن ناقشوا ترتيبات مماثلة من بينها الدنمارك وإيطاليا وألمانيا.
ويذكر أنه خلال قمة خاصة في يونيو 2017 أقر زعماء حكومات الإتحاد الأوروبي مخططًا مكونًا من عشر نقاط للحد من الهجرة، بينها “بناء معسكرات إيواء آمنة ولائقة” في دول المعبر. غير أن الوضع داخل معسكرات اللاجئين بليبيا كارثي بكل المقاييس، كما أن معسكرات الإيواء في النيجر مأساوية. وكانت أشارت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل آنذاك إلى أن كلمة “معسكرات الإيواء” المستخدمة بوسائل الإعلام “ليست جزءً من مفرداتها اللغوية” مشيرة إلى أن تخميناتها ترمي إلى إقامة “مؤسسات معينة” في شمال أفريقيا تمنع الناس من خوض غمار رحلة العبور الخطيرة عبر البحر المتوسط، وتلك هي الفكرة الأساسية التي غلبت على تعاملها في إبرام اتفاقية اللجوء مع تركيا في 2016.
وبرغم رفض مصر وتونس والجزائر والمغرب لمثل تلك المفاوضات إلا أن الإتفاق الإنجليزي الرواندي يعيد بعث مثل تلك الأفكار والمخططات مرة أخرى لطاولات الحوار، وهذا ما تنبأ به الأيام المقبلة.
أشار العديد من النقاد إلي صفقة هجرة مماثلة بين رواندا وسلطات الاحتلال الإسرائيلي بين عامي 2014 و2017، والتي انهارت عندما تم العثور على تسعة فقط من حوالي 4000 مُرحل بقيوا هناك. وأدت إلى مغادرة معظم أولئك الذين تم إرسالهم إلى هناك والقيام برحلة خطيرة إلى أوروبا – حيث تم الاتجار بالعديد من الأشخاص وبيعهم. كما أدت سياسة نقل طالبي اللجوء إلى الخارج في أستراليا، والتي امتدت من عام 2001 إلى عام 2007 و استؤنفت في عام 2014، إلى تحويل الآلاف إلى ناورو أو جزيرة مانوس لمعالجة طلباتهم. وقد تم إدانة هذه السياسة على نطاق واسع، حيث قالت منظمة العفو الدولية إنها ترقى إلى الاعتقال إلى أجل غير مسمى في ما يمكن اعتباره ظروفًا “مهينة أو غير إنسانية”.
تقول ياسمين أحمد، مديرة في منظمة هيومن رايتس ووتش بالمملكة المتحدة، في تغريدة أن “نقل طالبي اللجوء إلى رواندا أمر غير أخلاقي وغير فعال ومكلف ومن المحتمل أن يكون غير قانوني. يعلن هذا في وقت فتح الشعب البريطاني قلوبهم ومنازلهم للاجئين الأوكرانيين”. وأضافت “نعلم من أستراليا أن الاحتجاز في الخارج قاسي وغير أخلاقي. وثقت هيومن رايتس ووتش الخسائر المدمرة على الصحة الجسدية والعقلية للاجئين وطالبي اللجوء بما في ذلك حالات الانتحار ووباء إيذاء النفس والإهمال الطبي والاعتداء الجنسي. على الرغم من إنفاق 1.8 مليون جنيه إسترليني لكل طالب لجوء في بابوا غينيا الجديدة وناورو ودفع 37 مليون جنيه إسترليني لتسوية دعوى جماعية، لم يمنع النموذج الأسترالي وصول الوافدين عبورا بالقوارب والذي بلغ ذروته عند تنفيذ المعالجة الخارجية.”