في 28 فبراير 2024 تلقت “منصة اللاجئين في مصر” بلاغا يفيد بأن السلطات المصرية تحتجز ملتمسة اللجوء ” ص.س” التي تحمل الجنسية الإريترية، تفيد الشهادات الموثقة أن واقعة التوقيف وبدء الاحتجاز كانت يوم الأحد 25 فبراير 2024 في الساعة 2:15 بعد الظهيرة، حيث قامت عناصر تابعة للمباحث العامة يرتدون زيا مدنيا ويستخدمون ميكروباص بتوقيف ملتمسة اللجوء وبعض أفراد عائلتها في أثناء خروجهم من أحد المطاعم بمدينة السادس من أكتوبر وطلب فحص أوراقهم الثبوتية، بحسب الشهادات كان ذلك في إطار حملة أمنية في مدينة السادس من أكتوبر على الأشخاص أصحاب البشرة السمراء من غير السودانيين، إذ إن الأشخاص الذين تم توقيفهم من حملة الجنسية السودانية في نفس الحملة تم الإفراج عنهم، بينما اصطحبت قوات الأمن من تم توقيفه من غير السودانيين/ات ومن بينهم ملتمسة اللجوء الإريترية “ص.س”.
بعد بحث وصلت الأسرة إلى مكان احتجازها في قسم أول أكتوبر ثم نُقلت إلى قسم الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر، وقد أفادت السلطات في القسم أنها محتجزة لدخولها إلى البلاد بصورة غير قانونية ما يوجب اعتقالها، وأنها في الوقت الحالي محتجزة على ذمة ” الأمن الوطني” في دائرة قسم شرطة أول أكتوبر ولكنها محتجزة في قسم شرطة الشيخ زايد لعدم وجود مكان لها في مقر الاحتجاز في قسم الشرطة الأول.
حصلت “منصة اللاجئين” على ما يثبت أن المواطنة المحتجزة تقدمت بالتماس لجوء إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، وحصلت على موعد في نهاية شهر أغسطس القادم، كما أنها كانت إحدى اللاجئات في السودان قبل بدء النزاع المسلح هناك، واضطرت مع الملايين غيرها إلى النزوح القسري مع اشتداد القتال واتساع مساحته، وهو ما تجاهلته السلطات المصرية، في تجاوز واضح لحقوق ملتمسي اللجوء، وللاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية الأشخاص وحرية حركتهم وانتقالاتهم في البلد الذي يتواجدون فيه.
بالإضافة إلى وجود أوراق ثبوتية مع السيدة (ص.س)، ما يستدعي عدم احتجازها، فإنها مريضة بالسكري ولم يُسمح لأسرتها بإدخال الأدوية إلا بعد أيام من احتجازها، وبعد نقلها بقيت الأدوية في قسم أول أكتوبر، ما يعرض حياتها وسلامتها للخطر الشديد، بالإضافة إلى خطورة وضعها الصحي، فهي أم لطفلتين أكبرهما 4 سنوات والأخرى رضيعة تبلغ 9 شهور، ما يضطر أسرتها إلى إدخال الطفلة في الحجز لارضاعها ثم خروجها مرة أخرى، ما يهدد سلامة وصحة الطفلة نظرا لسوء الأوضاع الصحية لأماكن الاحتجاز، وبالفعل أصيبت بالحمى.
تتزامن هذه الحادثة مع حملة اعتقالات تعسفية رصدتها “منصة اللاجئين” طوال الأسابيع الماضية، وشملت أشخاصا متنقلين في محافظات مختلفة في مصر، من بينهم “مهاجرين/ات، وطالبي/ات لجوء، ولاجئين/ات أجانب مقيمين/ات في مصر”، في ظل انعدام شروط العدالة في التحقيق والمحاكمة والاحتجاز مع اختلاف مسار ومصير الحالات التي تم توثيقها.
بحسب ما وثقته “منصة اللاجئين” فإن مفوضية اللاجئين في مصر تم إبلاغها بالواقعة منذ التوقيف، ولكن لم يقدم قسم الدعم القانوني أو الحماية أي دعم، كما لم يتواصل أي موظف من الأقسام المختصة بوزارة الداخلية لتوضيح قانونية الموقف للمحتجزة وأن عملية انتظار موعد التسجيل تعني أن وضع الشخص أصبح مقننا ويندرج تحت التزامات الحماية والمنع من الاحتجاز والترحيل، الأمر الذي يضاف إلى إشكاليات نظام خدمات التسجيل لدى المفوضية السامية، الذي حذرت وما زالت “منصة اللاجئين” من عواقبه ومن خطورة تبعاته القانونية على أوضاع ملتمسي/ات اللجوء داخل مصر.
إننا نحذر من خطورة أي استخدام من قبل السلطات المصرية للمواطنين/ات الإريتريين/ات في مصر كأداة للتقارب مع إريتريا في ظل تعقيدات الأوضاع في القرن الإفريقي، والخلافات السياسية بين إريتريا ومصر والصومال من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، خاصة أن وتيرة حملات اعتقال الإريتريين/ات بدأت عقب زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي لمصر في 24 فبراير الماضي، ما يزيد مخاوف مجتمعات الشتات والمنفى الإريتري في مصر حول ارتباط الحملة الأمنية بمواءمات سياسية تتجاوز القانون والاتفاقيات الدولية والحقوق الأساسية للبشر، خلال العام 2021 رصدت “منصة اللاجئين في مصر” حملة توقيفات واحتجاز وترحيل قسري لملتمسي/ات لجوء إريتريين/ات مماثلة، وبعد ترحيل السلطات المصرية لهم رغم الإدانات الحقوقية المحلية والدولية انقطعت الأخبار عنهم وأصبحوا في عداد المختفين/ات.
يُذكر أن المنصة قد أطلقت برنامج الاستجابة الطارئة، من خلال تقديم الدعم والاستشارات القانونية بشكل مباشر أو عبر الإنترنت، كما أطلقت استمارة طلب الوصول لمقدمي الخدمات المختلفين، مع الاستمرار في نشر الدلائل الإرشادية للقادمين الجدد إلى مصر التي تشمل المعلومات القانونية الأولية، وأيضا المعلومات عن مقدمي الخدمات المتاحين للتواصل معهم، وأطلقت خريطة الانتهاكات التي يمكن للأشخاص المتنقلين البحث والإبلاغ عبرها عن الانتهاكات التي تواجههم/هن.
إن الممارسات التي تتبعها السلطات المصرية من احتجاز ملتمسي/ات اللجوء وترحيلهم/هن قسرا إلى بلد يخشى فيه على حياتهم/هن، هي مخالفات صريحة للدستور المصري الذي نص على حق اللجوء في المادة 91 للحقوق والحريات والواجبات العامة والقانون المصري الذي رفع المسؤولية الجنائية عن المهاجر المُهرَب ومنع عقابه في القانون 82 لسنة 2016 الخاص بـ”مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتِّجار بالبشر”، كما أنها انتهاك صارخ لالتزامات مصر الدولية تجاه اللاجئين/ات وطالبي/ات اللجوء التي وردت في اتفاقية عام 1951 الخاصة بحقوق اللاجئين، والتي انضمت إليها مصر في عام 1981.
تدين منصة اللاجئين في مصر الاعتقال التعسفي والترحيل القسري الممنهج لطالبي اللجوء الإريتريين/ات، ويعد الاختيار بين قبول الترحيل أو الاحتجاز المطول دون مبرر قانوني ثم الترحيل القسري انتهاكًا لجميع المعاهدات والمواثيق التي وقعتها مصر وصدقت عليها ومخالفة للدستور والقوانين المصرية.
ندعو السلطات المصرية للإفراج الفوري عن ملتمسة اللجوء ( ص.س)، وتمكينها من إتمام إجراءات التماس اللجوء في مصر، ونحذر من أي مساعي أو اتخاذ إجراءات لترحيلها أو إبلاغ السفارة الإريترية حول وضعها.
كما نعيد التأكيد على وجوب اتخاذ مفوضية اللاجئين خطوات جدية وفعالة لإنهاء مشاكل التأخر في الاستجابة إلى طلبات اللجوء، وتأخر المواعيد المحددة لملتمسي/ات اللجوء التي تصل إلى ستة أشهر كما في حالة السيدة (ص.س) ومئات الآلاف غيرها، وهذا هو الدور الأساسي للمفوضية، كما نحثها على التحرك من أجل تغيير السياسات التي تنتهك حقوق اللاجئين واللاجئات، والعمل على تمكين ملتمسي/ات اللجوء المحتجزين/ات من إجراءات التسجيل وطلب اللجوء، وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة لهم/هن ولعائلاتهم/هن، والتدخل العاجل لتقديم الإغاثة اللازمة للمحتجزين/ات حاليا خاصة الأطفال وضمان سلامتهم/هن الجسدية والنفسية جميعا.