علمت “منصة اللاجئين في مصر” أنه في ساعة مبكرة من صباح أول أمس الإثنين ١٢ ديسمبر قامت السلطات المصرية بإطلاق سراح الطفلين السودانيين، وذلك تنفيذا لقرار النيابة العامة في القضية رقم ٦٢٥٩ لسنة ٢٠٢٢ جنح قسم شرطة ثالث ٦ أكتوبر، الصادر في ٨ ديسمبر بإخلاء سبيلهما بضمان محل الإقامة.
تعود وقائع القضية إلى ٣ ديسمبر الجاري حينما استقبلت ووثقت “منصة اللاجئين” بلاغا بوقوع حادث اعتداء أليم على طفلين سودانيين مسجلين كلاجئين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بمصر، حيث قام مجموعة من الاشخاص باحتجاز الطفلين وربطهما في أحد أعمدة الإنارة الحديدية في الشارع وتعدوا عليهما بالضرب والإهانة أمام المارة بمنطقة مساكن عثمان بمدينة السادس من أكتوبر.
وثقت “منصة اللاجئين” جزء من الاعتداءات التي جرت بحق الأطفال في الشارع من خلال مقاطع مصورة حصلت عليها المنصة والتي تفيد بوقوع انتهاكات بحق الطفلين تشمل الضرب والتعذيب والاحتجاز والترويع، انتهاكات جميعها تؤدي إلى إلقاء الرعب في نفس الأطفال المجني عليهما وتكدير أمنهما، وتعريض حياتهما وسلامتها للخطر عند ربطهما في عامود كهرباء.
وبعد وصول أم أحد الأطفال الضحايا قام المجتمعون بإبلاغ قسم الشرطة وادعوا بأنهم قاموا باحتجاز الأطفال بعد أن ضبطوهما يحاولان سرقة إحدى البنايات، كما ادعوا بأنهم وجدوا بحوزتهما بعض الآلات الحادة التي قاموا بتسليمها لضباط الشرطة الذين اصطحبوا الطفلين إلى نقطة شرطة مساكن عثمان ومنها تم نقلهما لقسم شرطة ثالث ٦ أكتوبر التابع له منطقة وقوع الحادثة. بحسب الشهادات التي جمعتها “منصة اللاجئين” من مصادر مطلعة على القضية وشهود على الواقعة وعائلات الأطفال فقد اطلعت النيابة العامة على جميع المقاطع المصورة التي تثبت حدوث الاعتداء بحق الأطفال.
وفي ٤ ديسمبر تم عرض الطفلين على النيابة العامة بمدينة السادس من أكتوبر والتي قامت بالتحقيق معهما ووجهت لهما تهمة “شروع في سرقة” ولم يسمح لهما بالتواصل مع ذويهما كما لم يحضر معهما محامي بالتحقيقات، وقررت النيابة العامة في نفس اليوم حبس الطفلين أربعة أيام علي ذمة التحقيق.
في ٦ ديسمبر وبعد عرض الطفلين علي قاضي المعارضات للنظر في أمر حبسهما، قرر حبسهما خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات، ولم يسمح لعائلاتهما بالحصول على أي معلومات -في النيابة أو في قسم الشرطة- بخصوص القضية والاتهامات أو سبب احتجاز ذويهم، بينما لم يفصح المحامي المكلف من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتقديم الدفاع بأي معلومات عن القضية ولا المراكز القانونية ولا الحقوق الواجب اتباعها للطفلين أو لذويهما.
في نفس اليوم ٦ ديسمبر نشرت منصة اللاجئين بيان عاجلا عن الواقعة والقضية وطالبت فيه النيابة بسرعة اخلاء سبيل الطفلين وغلق القضية والتحقيق الفوري في واقعة الاعتداء والاختطاف والتعذيب والمثبتة بأدلة دامغة وشهادة شهود من أجل تحقيق العدالة للطفلين وعائلاتهم.
في ٧ ديسمبر قررت النيابة العامة إحالة القضية لنيابة الطفل نظرا لسن المتهمين وهو الإجراء الذي كان من الواجب اتباعه منذ بداية تحقيقات النيابة العامة في القضية، وفي اليوم التالي استمعت النيابة العامة لأقوال الطفلين وأيضا لشهادات الشاكين (الذين تشير الأدلة لاعتدائهم على الطفلين واحتجازهما وتعذيبهما)، وبعد انتهاء التحقيق قررت النيابة اخلاء سبيل الطفلين وكذلك إخلاء سبيل الشاكين. تم الافراج عن الشاكين من سرايا النيابة، بينما تم ترحيل الطفلين مجددا إلى قسم الشرطة.
وفي ١٠ ديسمبر، نشرت وزارة الداخلية المصرية بيانا تقول فيه “كشف حقيقة تداول صورة على موقع التواصل الإجتماعى “فيس بوك” لشخصين مقيدين بأحد أعمدة الإنارة، والمطالبة بالإفراج الفورى عنهما والتحقيق فى واقعة خطفهما وتعذيبهما بمدينة السادس من أكتوبر. بالفحص تبين أن حقيقة الواقعة تتمثل فى أنه تبلغ لقسم شرطة ثالث أكتوبر بالجيزة من (شخصين- مقيمان بدائرة القسم) تمكن الأهالى من ضبط شخصين “يحملان جنسية إحدى الدول” حال شروعهما فى سرقة شقة سكنية ، على الفور تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبطهما فى حينه وعرضهما على النيابة العامة التى تولت التحقيق.”
وأضافت أنه “عقب تقنين الإجراءات أمكن تحديد وضبط القائمين على نشر المنشور (شخصين ، مقيمان بدائرة القسم ).. وبسؤالهما أيدا ما جاء بالمنشور، مشتركين فى ذلك مع المُبلغان وتم إتخاذ الإجراءات القانونية .. وتولت النيابة العامة التحقيق”.
بينما لم يوضح بيان وزارة الداخلية أي تفاصيل عن الإجراءات المتخذة مع الطفلين وما نتج عن التحقيق بخصوص واقعة تعذيبهما وما هي أسباب ضبط من قام بنشر الواقعة على وسائل التواصل الإجتماعي ومن هما وما الإجراء الذي تم اتخاذه معهما، ولم تصدر النيابة العامة أي بيان بخصوص الواقعة وإذا كانت قامت بالتحقيق في واقعة احتجاز الطفلين والاعتداء عليهما.
منذ تاريخ صدور القرار من النيابة العامة بإخلاء سبيل الطفلين وحتى مساء أول أمس كانت العائلتين تذهبن إلى قسم الشرطة في الصباح والمساء من أجل انتظار تنفيذ قرار الإفراج عنهما وهو ما لم يقم به قسم الشرطة متحججين بعدم انتهاء الإجراءات الرسمية الخاصة بالإفراج عنهما.
فجر أول أمس ١٢ ديسمبر وبعد أربعة أيام من صدور قرار النيابة العامة بالإفراج عن الطفلين، تم تنفيذ القرار وعادا إلى عائلاتهما.
تستقبل منصة اللاجئين في مصر قرار النيابة العامة بإخلاء سبيل الطفلين وتنفيذه بالترحيب، ولكنها تعيد المطالب التي تقدمت بها في البيان الأول والمتعلقة بإغلاق هذه القضية تماما وحفظها، كما تدعو النيابة العامة إلى نشر بيان مفصل عن الواقعة وتوضيح هل التحقيق مع المتعدين على الطفلين أم لا وما هي الإجراءات القانونية المتخذة التي أعلنت عنها وزارة الداخلية في بيانها الصادر يوم 10 ديسمبر؟.
نحث السلطات المصرية على تطبيق القانون على المعتدين في الجرائم المرتكبة، حيث أن المادة 280 عقوبات (خطف واحتجاز) تنص “كل من قبض على أي شخص أو حبسه أو حجزه بدون أمر أحد الحكام المختصين بذلك وفي غير الأحوال التي تصرح فيها القوانين واللوائح بالقبض على ذوى الشبهة يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه مصري.” وأيضا تنص المادة 375 مكرر عقوبات (استعراض قوة وفرض سيطرة وترويع)، على “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من قام بنفسه أو بواسطة الغير باستعراض القوة أو التلويح بالعنف أو التهديد بأيهما أو استخدامه ضد المجنى عليه أو مع زوجه أو أحد أصوله أو فروعه،”
ونطالب النيابة العامة بالتحقيق مع المسؤولين -بقسم شرطة ثالث ٦ أكتوبر- عن احتجاز الطفلين لمدة أربعة أيام بدون وجه حق، ونحث المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على ضرورة متابعة الوضع القانوني والنفسي والصحي مع الطفلين وعائلاتهما وتقديم كل الدعم الممكن لهما والذين يحتاجونه بشدة الآن وبأسرع وقت.