المصريون ليسوا عساكر حدود أوروبا … عن استعراض السيسي لملف الهجرة غير النظامية

الصورة: استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره البولندي، أندريه دودا، الإثنين 30 مايو 2022. صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية على موقع فيسبوك ©
الصورة: استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لنظيره البولندي، أندريه دودا، الإثنين 30 مايو 2022. صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية على موقع فيسبوك ©

أمس، 30 مايو 2022، تحدث عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية حول أن مصر تكرس جهودها لوقف الهجرة غير النظامية من مصر لتخفيف ضغط تدفق المهاجرين والمهاجرات إلى أوروبا، في لقاء مع نظيره البولندي أندريه دودا بقصر الاتحادية لتباحث سبل التعاون في ملفات متعددة كان من بينها ملف الهجرة غير النظامية.

خلال كلمة الرئيس السيسي في المؤتمر الذي عقد أمس الإثنين، نشر نصها المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، جاء بها “تطرقت المباحثات أيضاً إلى استعراض الجهود التي بذلتها مصر من خلال جميع مؤسساتها لوقف الهجرة (غير الشرعية) من السواحل المصرية لأوروبا عبر البحر المتوسط وذلك على الرغم من العبء الملقى على اقتصادها من خلال استضافة أكثر من 6 ملايين لاجئ يتمتعون بكافة الحقوق الأساسية والخدمات الاجتماعية في مصر، وهو الأمر الذي كان له أطيب الأثر في تخفيف ضغط الهجرة عن القارة الأوروبية التي تشهد دولها تدفقاً مكثفاً للمهاجرين مؤخراً.”

ليست المرة الأولى التي يصدر فيها تصريحات رسمية من مسؤولين مصريين مملؤة بالتفاخر بالانتهاكات الممارسة بهدف قمع حرية الحركة في ظل إشادات من مسؤولين أوروبيين بالمجهودات المصرية في هذا الصدد، إن هذا الاستعراض برغم عدم مصداقيته وفجاجته يتناسب في لقاء مع رئيس دولة مثل بولندا التي تتسم بالنفاق والعنصرية وإزدواجية المعايير. بولندا التي تفتح حدودها وترحب بحرارة باللاجئين الأوكرانيين وتمنع دخول اللاجئين واللاجئات الفارين من صراعات أخرى من اليمن وسوريا وأفغانستان ودول إفريقية وجنوب آسيا، وتعامل السلطات البولندية مع غير اللاجئين الأوكران بالإساءة  والاعتداء عليهم جسديا في مراكز احتجاز مكتظة دون إمكانية الوصول إلى إجراءات لجوء عادلة. وقد أُعيد العديد قسراً إلى بلدانهم الأصلية، وبعضهم تم ترحيلهم تحت التخدير. مباحثات تعبر عن ما تجتمع عليه سياسات الدولتين البولندية والمصرية تجاه الهجرة غير النظامية، وهي أن كلاهما يضعان المصالح السياسية مع الحكومات الأوروبية فوق حقوق الإنسان وحقوق المهاجرين/ات خاصة، ويعملان بدأب من أجل منع وصول المهاجرين/ات إلي أوروبا التي تبنت سياسات مظلمة وقاتلة في السنوات الأخيرة تجاه المهاجرات/ين الذين يحاولون الوصول إليها.

تم إطلاق الصندوق الاستئماني للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا (EUTF) في نوفمبر 2015 بهدف تعزيز الاستقرار ومكافحة “الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والنازحين في أفريقيا”. تمت الموافقة على خمسة مليارات يورو لـ 250 مشروعًا في 26 دولة أفريقية وحصلت مصر على 60 مليون يورو في عام 2017  في إطار مشروع لتحسين إدارة الهجرة. أعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية للسيطرة على حركة الهجرة ومنع المزيد من المهاجرين للوصول إلى حدوده وتوجه إلي عقد اتفاقيات مع دول منشأ أو عبور المهاجرين/ات على هذا الأساس. من خلال محادثات غامضة بين الاتحاد الأوروبي ومصر عقدت اتفاقيات بطريقة غير رسمية وأحيانًا لا تكون موجودة في مستند، وبرأي باحثين متخصصين، تم ذلك عمدا من أجل منع التدقيق من قبل البرلمانات، بما في ذلك البرلمان الأوروبي، الذي يجب أن يشارك في الاتفاقات الدولية التي يبرمها الاتحاد الأوروبي. ولكن يتم ذلك أيضًا لتجنب الإشراف والطعن القانوني الذي قد يحدث إذا كان لديك نوع من الاتفاق أكثر رسمية.

السبب وراء تعمد الغموض ظهر لاحقا، حيث أن الإتحاد الأوروبي عقد الاتفاقيات مع أنظمة مسؤولة عن التعذيب والاختفاء والتصفية السياسية – والتضحية بحقوق الإنسان من أجل وقف حركة الهجرة (مثل دول جنوب المتوسط). بالإضافة إلى ذلك، تحدث انتهاكات متكررة لمبدأ “عدم الإعادة القسرية”: وجاء عدد كبير من المهاجرين/ات الذين تم القبض عليهم في البحر الأبيض المتوسط ​​من بلدان كانت حياتهم فيها معرضة للخطر، لكنهم لم يحصلوا على حق اللجوء. ونتيجة لسياسة تمديد حدود الاتحاد الأوروبي إلى مصر وشمال إفريقيا، أصبح المهاجرون العابرون واللاجئون في كثير من الأحيان أكثر ضعفاً وعرضة للمخاطر وانتهاكات حقوق انسان جسيمة. وأدت عودة اللاجئين والمهجرين قسرا بشكل منتظم إلى سجنهم وتعذيبهم.

علي الجانب الآخر، فإن بولندا تقوم بالمثل وتنتهك حقوق الإنسان تحقيقا لهدف منع المهاجرين/ات من الدخول أو العبور. في نوفمبر من العام الماضي، تقطعت السبل بآلاف الأشخاص الفارين من سوريا واليمن والعراق وأفغانستان ودول مزقتها الحروب والصراعات وكان بينهم نساء وأطفال على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا في ظروف مروعة وبرد قارس. عارضت بولندا وبيلاروسيا وجودهم، وأقامت بولندا حينها سياجًا من الأسلاك الشائكة على طول معظم الحدود وأغلقت المنطقة الحدودية أمام وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان، ولم تعطي الأشخاص المستحقين للجوء أى معاملة إنسانية لائقة واستخدمت القوة المفرطة وغير المبررة لمنع دخولهم وتركت البعض منهم يموت من البرد.  

ثم في يناير من العام الحالي، بدأت بولندا بناء جدار حدودي بقيمة 353 مليون يورو على طول الحدود البيلاروسية بهدف ردع عبور المهاجرين بعد الأزمة التي شهدتها المنطقة العام الماضي. وسيمتد الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 5.5 متر على طول 186 كيلومترا من الحدود – ما يقرب من نصف الطول الإجمالي – ومن المقرر الانتهاء منه في يونيو القادم. وفقا للإتحاد الأوروبي نفسه ومنظمات عديدة، إن الجدران لا تمنع الناس من عبور الحدود والهجرة بالفعل من التجربة. وبدلاً من ذلك، يدفعون الناس إلى أيدي المتاجرين بالبشر، مما يجعل الوضع أكثر خطورة على الأشخاص المتنقلين، كما يهدد الجدار الحياة البرية على طول الحدود التي تغطيها الغابات في الغالب.

في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، يناير الماضي، قال السيسي نفس الكلمات عن حياة اللاجئين في مصر وأعدادهم وتمتعهم بكافة حقوقهم الإنسانية والخدمات الإجتماعية. رغم أن واقع اللاجئين واللاجئات في مصر مختلف عن ما يكرر الرئيس قوله، بحسب ما تفيد التقارير الواردة من منظمات ومؤسسات محلية ودولية. أبرز التقرير السنوي الشامل لوزارة الخارجية الأمريكية حول حالة حقوق الإنسان في العالم عن عام 2021، الذي صدر في إبريل الماضي، عن حالات مقلقة من الانتهاكات المستمرة ونقص الحماية المتوفرة للاجئين/ات والمهاجرين/ات في مصر وأبرز العقبات التي تواجههم في الحصول على الخدمات الأساسية مثل العمل والرعاية الصحية والتعليم، وأشار التقرير إلى المعاملة السيئة والتمييز الذي يواجه اللاجئين، خاصة السودانيين وغيرهم من حملة الجنسيات الإفريقية جنوب الصحراء، وتحدث التقرير عن المضايقات الاعتداءات الجنسية والتحرش الذي يحدث بحق النساء والفتيات اللاجئات، لا سيما السودانيات وغيرهم من الأفارقة جنوب الصحراء.

كما وثقت منصة اللاجئين في مصر الإعادة القسرية لعشرات طالبي اللجوء إلى بلدانهم الأصلية حيث يواجهون عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة، واحتجاز المئات من المهاجرين/ات غير النظاميين في ظروف احتجاز سيئة للغاية، وحرمانهم من الوصول إلى إجراءات اللجوء رغم طلبهم واستحقاقهم لتسجيل طلب لجوء. 

يشتكي طالبو اللجوء واللاجئين/ات وخاصة الأفارقة في مصر من المضايقات والمعاملة العنصرية من قبل المصريين، ونقص الحماية وتأخير إعادة التوطين، وفي حال التعبير عن مشاكلهم أو مطالبهم بتنظيم وقفات احتجاجات سلمية يتم الإعتداء عليهم بالقوة من قبل سلطات الأمن المصرية واحتجازهم وتهديدهم بالترحيل ليلتزموا الصمت داخل البلاد. وتعرض ناشطين لاجئين سودانيين للاعتقال التعسفي والضرب والعمل القسري من قبل قوات أمن مصرية خلال مداهمات في ديسمبر 2021 ويناير 2022.

خلال الأشهر الماضية، وثقت منصة اللاجئين في مصر اعتقال المئات من محافظات مختلفة بطريقة عشوائية وبدون إجراءات قانونية سليمة على ذمة قضايا تتعلق باتهامات الضلوع أو المشاركة أو المساعدة في عمليات هجرة غير نظامية من مصر، تعرض المحبوسون لانتهاكات لشروط المحاكمة العادلة اشتملت على (الإخفاء القسري ، التعذيب، الاتهام بدون أدلة إدانة، الاحتجاز في ظروف لا إنسانية). كما تم توثيق إعادة تدويرهم في قضايا جديدة بنفس الاتهامات عدة مرات بعد صدور قرارات بإخلاء سبيلهم. 

نشرت الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 13 أبريل 2022، قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، رقم 2 لسنة 2022، بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المهاجرين الصادر بالقانون رقم 82 لسنة 2016 بعد موافقة البرلمان، وشملت التعديلات تغليظ العقوبات حتى علي من يقدم مساعدة للمهاجرين دون أي ضمانات لشروط المحاكمة العادلة وحماية الضحايا، تم الموافقة على التعديلات وإصدارها دون الالتفات لإنتقادات وتوصيات المنظمات الحقوقية.  

وبناء على البيانات الصحفية المنشورة من قوات حرس الحدود التابعة للقوات المسلحة المصرية فقد تم “إحباط محاولات هجرة غير رسمية” لما يزيد عن 90000 مهاجر/ة وطالب/ة لجوء من جنسيات مختلفة بداية من عام 2016 وحتى 2021. ولا تتحدث البيانات الرسمية عن طبيعة الإجراءات التي يتم اتخاذها ضد هؤلاء الألاف من المهاجرين والمهاجرات الذين يتم توقيفهم يوميا على الحدود المصرية. من خلال الانتهاكات الموثقة للمهاجرين/ات وطالبي اللجوء على الحدود المصرية في السنوات الأخيرة، فإنه من شبه الأكيد أن من يتم توقيفهم على الحدود يتعرضون للاحتجاز في ظروف سيئة أو يتم طردهم قسرا بدون التحقق من المخاطر التي قد تقع عليهم.

بحسب آخر إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر، يوجد 281,102 لاجئًا/ة وطالب/ة لجوء من 63 دولة (نصفهم من سوريا) متواجدون في مصر. ومن الوارد أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تسجل جميع اللاجئين/ات، رغم ذلك، فإن المسؤولين المصريين لديهم ميل واضح لمضاعفة الأرقام الدقيقة. يبدو أن نظام السيسي أدرك منذ أعوام أن مصر نقطة هامة لإنطلاق وعبور المهاجرين واللاجئين للوصول إلى أوروبا بسبب تزايد العنف وعدم الاستقرار في ليبيا ودول إفريقية عديدة، واستخدام  حيث أن نظام السيسي يستخدم قضية الهجرة كرافعة لعلاقته مع أوروبا وورقة هامة في سياساته الخارجية.

Post Scan this QR code to read on your mobile device QR Code for المصريون ليسوا عساكر حدود أوروبا … عن استعراض السيسي لملف الهجرة غير النظامية
Facebook
Twitter
LinkedIn